{env}

الصفحة الأساسية > النثر > أوراق > أثخنتمونا عاراً .....

.

أثخنتمونا عاراً .....

الثلاثاء 14 نيسان (أبريل) 2015

لا يصلحُ الناسُ فوضى لا سراة لهم ، والناس مذ كانوا ناسًا لزمتهم الحاجة إلى رائد لا يكذبُ أهله وراعٍ ينصرفُ إلى ما شغلهم ، فأطال فيه النظر واستعان عليه بالشورى وحسم أمره إلى قرار ، فإذا ما شاع الخبر ألزمهم عليه بالصبر والطاعة طالما هو نتاج رأي عقّالهم وحصيلة فكر أخيارهم ، وبؤرة تجمّع خبراتهم وتجاربهم ، وحسمُ سراتهم وأولي الأمر فيهم لا ينازعهم في ذلك إلا باغ ٍ أو طامع ، وإن فعل فقد استيقن مقعده من الشاقين والأشقياء على حد سواء ، فاجتمع بذلك الشمل ووضح الدربُ ونهضَ العملُ وانبلجَ الأملُ ، ومن زاغ بعد ذلك فإنما هو مفارق للجماعة وإنما تأكل الذئب من الغنم القاصية الشريدة ، ولا لوم ولا عتاب فيمن شذّ فإنما يشذ على نفسه .

لكن الحال هو غير الحال ، فقد دبّت الفوضى واستنبتت لها أيدٍ وأرجلَ حتى غدت في حكم الأخطبوطيات عدداً ، واستكثرت لها وجوهًا وأتباعًا في غفلة ٍ من الزمن والمكان حتى أصبحت مثل الفطر نشراً وحشراً ، ووظّفت لها ألسنًا واستقوت بالظلمةِ الحرام ِ حتى غدت ليلاً مقيمًا ، لا هو بالقادم إلى ذهاب ولا هو بالذهابِ إلى قدوم ، بل هو باركٌ مقيمٌ مستريحٌ في سماء الأرضِ ومنبسطٌ فوق أرض السماء ، فغدت حال الرعية أشبه بحال القطيع وقد اجتاحته النيران من فوقه وتحته ، وتلقفته عن يمينه وشماله وفجعته من أمامه وخلفه ، فلا صوتا وصل ولا غوثًا أطل ، فانتزعته من يقينه وعزمه ونوره الذي زرع الأرض به جيئة وذهابًا إلى لقمة سائغة في يد الظلام المعربد حتى حين .

ولما كان ما أكمل به صاحبنا ( ولا سراة إذا جهالهم سادوا ) هو سبب بيّن لهكذا حال ، فإن توسيد الأمر إلى غير أهله ، واستبعاد الحريصَ لخطر حرصه على أن لا ينفتح باب الغفلة ، وإقصاء الشريف النظيف عن المورد حتى لا يقطع الطريق على أيد العبث ولو كانت يد فاطمة ، وإبعاد القادر العالم وصاحب الكفاءة خوفًا وخشيةً من انكشاف المستور في الجهل ورصّ القدور ، وما إلى ذلك من أحابيل الغرض في تهيئة المجلس لمنافق حاذق ، وتاجر بالوطن وبالمواطن وعاجز في الرأي قبل العمل ، وصاحب مظهر لا مخبر له إلا القبح والوهن ، كانت هذه الحال غير الحال ولم ينفع دعاء ولا شفعت أمانيّ وبعثرت بعد ذلك زهرات وضاعت فرسان في لوحة العبث المخزي .

نفهم أن كلّ شياطين الإنس والجان تقول حقًا أريد به باطل ، ولا تطمح فيما تظهر من حرص إلا أن يشتغل الظن وتشتعل الفتن ، وإن استقرّت فلتنتهِ على حال الأسير وسيادة أصحاب بيع الوطن بالفتيل والنقير ، ونسمع صدى دعوى هؤلاء وتحريضهم عبيد نعمهم التي اشتروا بها ، والتي وعدوا تاليًا وعند تمام المطلوب ، ونختبر ما يعلنون عن إصلاح وهم أول مسامير السفاح ، ولكنّ ذلك لا ينفي تبيّن الحكمة فالمؤمن أولى بها أنّى إناء خرجت منه ، وكيف لا ينهض الناس إلى إصلاح حالهم وقانون الحياة أن البقاء لصالح يمكث في الأرض ووعد السماء ذهاب الفقاقيع والزبد ذهابا غير مأسوف عليه ، ولا مستقرّ لظلم وظلامة ، إلا في دار ذهاب وندامة ، وليس غير ذلك كائنا ..كيف والعدل هو أساس الملك والحكم وشرط الصلاح والفلاح ؟

قد سمعنا شكاة الصابرين وأنين المرابطين وإلحاح الصادقين من أبناء هذا الشعب العظيم ، واشتدت دعاوى الندبة وطلب الغوث ورجاء الفصل في حالهم ومآلهم ، ووضع بعضهم يده على مصائب وجرائر كانت مستورة فكشفوها ، وعرّوا أصحابها فاهتزّت الأرض من تحت أقدام الظالمين وأعوانهم ، وتوقّع الصالح إنصافًا فما وجد إلا على القصاص عجافًا ، فكيف يتوقع بعد ذلك أن يدوم لهم صمت وأن يبقى لهم صبر في انتظار الفعل بعد أن نفذ خدر القول ؟ ورغم ذلك كله فلا سبب يقبل حتى ولو كان دافعه نيةً حسنة فإنما عبّدت طريق جهنم بنوايا حسنة ! وهل ترفد المصائب إلا بعض طيشٍ وبعض نزق ٍ ووهم صرعة ؟ وهل جنت براقش على أهلها ومضت فلم تجن على نفسها بعد ! وهل غدا هبنّقة أحمق نفسه أم أحمق قومه !...

أما وقد بلغ السيل الزبى،وتشفّى بنا العدو وشمت بنا الشانيء ، وضحكت من جهل بعضنا الأمم ، فما عاد يقبل تأجيل ولا تأويل ، ولا عاد ينفع تعديل وتبديل ، ولا أصبح يشفي تخدير وترحيل ، بل لا بد من حسم ٍ وآخر العلاج ، ولا مندوحة عن قطع الفلج وبتر الأخطبوط ، فإن المهل لم تصلح النسل ، ولا سبقت العلم بالأجل ، وقد ظهر ما عليه الدهر شرب وأكل ، ولا علاج للعفن إلا شمس ساطعة ، ولا يقبل من جاهلٍ مدفوعٍ صرف ولا عدل ، كنا بالأمس على انبلاج شعاع أمل ، فعالجتمونا بما أخزى الجبين وأدرّ المقل ، وما القول إلا لعاقل يستقبل النصح ويشرح قلبًا وصدرا ًللفهم ، والخير فيما عقل ، كفاكم فقد أثخنتمونا عاراً .......

أيمن اللبدي

17/7/2004

الرد على هذا المقال

نسخة من المقال للطباعة نسخة للطباعة
| حقوق المادة محفوظة ويمكن الاقتباس والنقل مع ذكر المصدر|