{env}

الصفحة الأساسية > رأي > حروب الوهم الأخيرة: الإمبراطورية والقاعدة نموذجاً !

.

حروب الوهم الأخيرة: الإمبراطورية والقاعدة نموذجاً !

الثلاثاء 14 نيسان (أبريل) 2015

حروب الوهم الأخيرة: الإمبراطورية والقاعدة نموذجاً !

- طبائع حروب الوهم

النتيجة الوحيدة التي تنتجها ثقافة الوهم وتؤسس لها دوما كما في كل الشواهد والمشاهد التاريخية منذ وهم قابيل الأول وحتى الساعة هي فقط (حروب الوهم) وجريمة التدمير والإلغاء دون أيِّ عناء لا في الاستنتاج ولا في الاستقراء، وهذه الطبيعة الممكن الحصول عليها تمثّل في واقع الأمر الخطر الحقيقي في ثقافة الوهم وفي منتجي هذا الثقافات الخطرة التي يمكن تالياً أن توصّف على محمل الجد بأنها ثقافات شريرة قطعاً.

في ثقافة الوهم ميزة مثيرة للقلق كونها لا تختص بعرق ولا نسب ولا دين ولا بقعة من بقاع الأرض كما هي لا تختص بزمان بعينه ولا حقبة بعينها، بل شواهدها تقول أنها ذات (عولمة حقيقية) دون جهد ولا تخطيط ولا حاجة لإفراغ موارد وصرف وقت لتحصيل هذه النتيجة المفزعة، بل هي من الفرادة بمكان بحيث غدت تاريخية بمعنى التاريخ نفسه منذ وهم قابيل وحسده تالياً وشروعه في الإعداد لجريمة إلغاء هابيل!!

وحروب الوهم تبعاً لذلك وهي المنتوج الصافي لهكذا ثقافة هي أيضاً بدورها محمولة على نفس ميزات منتجتها من حيث عدم الاختصاص وغياب الخصوصية فيها والنزوع إلى انفتاحها بعيداً بكل الاتجاهات التي تنشط أو يمكن أن تنشط فيها جملة الوهميات هذه وبغض النظر عن ساعة ومكان ترجمتها لنفسها وأدواتها الناشطة أو الكامنة في هذه الترجمة، كل ذلك مما يحسن البدء به حتى لا تغدو النظرة لا محابية ولا عمشاء وتنزع إلى حياد المنطق وحياد الفكرة.

أما حروب الوهم هذه فهي ذات طبائع مريعة لا شكَّ فيها بحيث تجعلها في اختلاف عن بقية أشكال المنازعات والاختلافات البشرية على الإطلاق، فإن كانت ستلتقي في واقع الحال مع غيرها من هذه الأشكال العنفية فإنها وبلا شك لها ما يفردها بخاصة عن غيرها في سمات تتيح لها هذه الفرادة العجيبة وهي فرادة تجعلها الأخطر على معادلة الحياة أكثر من أيِّ نوع آخر وتجعلها في مراتب الشرور العظمى مما يتهدد وجود الإنسان ذاته ومستقبله وسلمه ونتاجه.

ولعلَّ أبرز ما في طبائع حروب الوهم التي تفيد بالوقوف على حجم خطورتها التالية :-

1- فراغية الارتكاز: فهي تتكيء إلى منظومة الوهميات التي تنطلق منها بحيث تغدو في حركة نشطة لتوليدها أسبابها من غير حاجة لما عرفته المنازعات البشرية في ضرورة تقاطع المصالح وتضاربها أو حتمية تصادف أسباب مباشرة في لحظات الاحتكاك العنيفة لاندلاعها، فهي على العكس من هذا كلّه يمكنها أن تجلس وتخطط ببرود أعصاب لسيناريوهات أسبابها وتختار في طريقة عرضها وإنتاجها أيضا بحيث تغدو دون ما حاجة إلا لاختيار لحظة الانفجار وموعد الساعة الصفرية في هذه المعادلة، ولا يحرجها كثيراً أن تنزع إلى استخدام أيٍّ من الأساليب أو الوسائل أو الأدوات لإنتاج أسباب بدئها وبحيث تصبح لاعبا حراً طليق اليد فيما يفعل دون أدنى ضابط خلقي أو موضوعي ويمكنها أن تبرِّر لنفسها طويلا ذلك بحيث تمارس أخطر ما في جعبة الإنسان من كذب وتزوير بعين الرضا والانشراح مما يفقد هذه الحرب توازن الارتكاز تماما وتصبح كرة من النار تندفع في الفراغ.

2- الإلغائية :- فهذه الحروب وبسبب انطلاقها من هذه الوهمية المعتمدة على خطر الوجود تنزع عند تحديد عدوها مباشرة إلى اعتماد واعتناق عقيدة حربية خاصة تقوم على مبدأ الإلغائية التامة، بحيث أنها تضع أمام ناظريها أن بقاء نوعها مقترن بالقضاء المبرم على خصمها وعدوها الذي افترضته قضاءً نهائيا بحيث تغدو جميع الوسائل الأخلاقية وغير الأخلاقية مبررة فيها لنفسها تماماً وبحيث تغدو جهنميتها ولا معقوليتها في أساليبها ليست انحرافاً عملياتيٍّ كما قد يظنُّ البعض بل هي ضمن سياق درجة الخطورة التي افترضته على ذاتها ودرجة الإلغائية التي وظّفتها في خصمها، وعليه تصبح عمليات الإبادة والتطهير والتدمير وكلِّ أصناف الطغيان في الوسائل وفي عملياتها مبررة من وجهة نظرها، أما من الجهة المقابلة فإن إمكانية التقائها بخصمها على طاولة مفاوضات ما هي في افتراضها أشبه بقبولها لوضع حد لوجودها ذاته، فهي لا تنزع إلى حلول وسط كما في حالات النزاع البشرية السوية بل هي ضرب خاص من ضروب الشيطانية التامة وتبعاً لدرجة تغلغل القصة الوهمية وشدة احتقانها وتوفّر فرص الإفلات من الأطواق المختلفة لها.

3- دينامكية المناورة:- ولعل هذه هي أخطرها على الحياة البشرية إذ تنزع الحرب الوهمية في مرحلة ما إلى الكمون والتواري في حال لم تتوفّر لها أسباب الانطلاق من الأطواق بحيث تعيد إنتاج نفسها من جديد وبصورةٍ أفظع وأكثر تدميراً تكون فيه الفواصل الزمنية قد فعلت فعلها في إذكاء نارها ومضاعفة أسباب قلقها وإعطائها المزيد من الأسباب لتضخيم درجة القلق على ذاتها وبالتالي رفع مستوى خطورة خصمها وتالياً مضاعفة حجم الدمار الذي يتوقع أن تنتجه طالما هي غير ناجحة من قبل في ذلك عند توفّر أسباب صمتها أو توقيفها لسبب أو لآخر وهذه الظاهرة الديناميكية هي أخطر ما في حروب الوهم لانفتاحها على مستقبل الزمان.

إنَّ هذه الطبائع في حروب الوهم يمكن لها أن تكفل إنتاج مدمر كامن متوقعٍ في أيِّ لحظة وبعيداً عن طبيعة المشهد السياسي الدولي مثلاً كما في حالة حروب العرق والأيدولوجيا فإنها غير مستعدة للدخول في مران العمل السياسي أو في مران الحسابات السياسية مهما كانت درجة تعقيد هذه الحسابات أو بساطتها، فبوصلتها الدائمة هو محتواها الوهمي الشيطاني الذي يحركها.

لقد جرّب العالم حرب الوهميات النازية والفاشية وأدرك تماماً وبالنتيجة الملموسة كيف أن هذه الحروب المرتكزة على وهم العرق كانت مكلفة جداً في مفصلٍ تاريخيٍّ هام من تطور البشرية ولا سيما بعد النهضة الصناعية وارتفاع كلفة هذه الحرب، ولعلَّ نوازع النازية والفاشية الجديدة الكامنة في بعض أوروبا تؤكد على أنَّ هذه الحرب إنما دخلت في طور ديناميكية المناورة وما انتهت كما يحاول التفاؤل السياسي أن يصوِّر.

من المفهوم أن دخول أوروبا في تجربة الاتحاد الأوروبي هو عبارة عن طوق نجاة مميز لهذه القارة من أخطار حروب الوهم الممكنة فيها، وأن تمتين هذا الوجود وتكريسه سياسيا واقتصاديا هو حزام الأمان الذي يرفع من سقف الجدار أمام تجدُّد حروب الوهم النازية أو الفاشية فيها، ولكنَّ أخطار هذه الحروب تحتاج أيضاً في المقابل لردعها نهائيا إلى أكثر من صيغة الاتحاد الأوروبي فعلاً، إنها تحتاج إلى انفتاح جماعي أوروبي على قضايا العالم الهامة وخاصة تلك المتشابكة أمام هجوم الإمبراطورية بحيث تنسج لها طريقاً ثالثاً في المسار.

وحينما يغدو ذلك واقعاً سياسياً وثقافياً حقيقياً يمكن عندها القول بأنَّ أوروبا قد أفلحت في إنتاج سدٍّ فعّال أمام احتمالات الأخطار الحقيقية فيها، ومن المفيد القول أن أخطار تهديد هذه القارة ليست في مكوناتها الداخلية كما تحاول بعض الجهات أن تشير إليها، بل هي في درجة التمييز الذي تضعه هذه القارة لنفسها إزاء قضايا العالم المشتبكة في أفريقيا وآسيا تحديداً وتالياً أمريكا اللاتينية.

- الإمبراطورية والقاعدة شراكة لا مواجهة

هناك نمطان واضحان اليوم لحروب الوهم في العالم: نمط أشعلته أو رعته الإمبراطورية – لا نستخدم هنا الولايات المتحدة - في أفغانستان والعراق وقبلهما عبر ذراعها الكيان الصهيوني في فلسطين ، ونمط تقوم به القاعدة وأخواتها وهذا إن صدق في نهاية الأمر صلة هذه الجهات وثبت تورطها في كثير مما ينسب إليها، وبالتأكيد فإن ما نسبته هي لنفسها يكفي على إثباته لها وإدانتها به وتحت صفته وصمها بحرب وهمها الذي اختارته لنفسه.

وإذا كنا حرصنا على استخدام الإمبراطورية تسمية فلأن هذه الحرب الوهمية هي حرب حالة وليست حرب دولة، حيث تقف مرحلة الإمبراطورية على أعتاب هذه الحالة مرتكزة إلى تحالف وهمها وليس إلى إرث الولايات المتحدة بالكلية سياسيا وفكريا فلا يجب الخطأ في التعميم والانجرار إلى فخِّ الإطلاق الأعمى، بل على العكس فإن هناك ما يقف في الولايات المتحدة ذاتها في وجه مرحلة الإمبراطورية هذه ووهمها ومن المفيد أن نكون معه حيث يقف فالمعركة ضد الوهميات وحروبها واحدة على كل حال حيثما وجد فكر حضاري إنسانيّ.

ومن المفيد الانتباه إلى أمرين جوهريين في هذه المقابلة النظرية:

الأول: أنَّ هذين الضدين النظريين في واقع الأمر هما حليفان على مستوى استكمال حربهما الوهمية هذه سواء التي ابتدأتها هذه وردت عليها تلك أو العكس صحيح، وأن مثل هذه العلاقة لا يتحمّل وزرها لا الولايات المتحدة الأمريكية كدولة فضلاً عن شعبها ، ولا المنطقة العربية والإسلامية فضلا عن مرتكزها القومي والديني، بل إنَّ الذي يتحمل تماماً المسئولية التامة عن ذلك هو طبيعة الوهم والوهم المضاد ومن صاغه وسوَّقه وصنعه من جهة، ونوعية الأدوات والحلف خلف كلِّ جهة منهما، ففي الولايات المتحدة وفي حكومتها وصانعي قرارها الاستراتيجي والسياسي تالياً هناك من تحالف العسكريين والصناعيين واللاهوتيين المتصهينين من يقف على مسئولية ذلك، وعند هذه القاعدة وأخواتها هناك من نظّر لفكر التكفير وفكر الانعزال وفكر التيئيس من جهة ومن وقع في فخ ذلك أو نذر نفسه له على قاعدة وهمه وانحراف فكره فغدا جنديا في وهم من يدعي حربه وأداة لإدانة من يدعي النصرة له والبراء من أجله.

الثاني: أنَّ القول بحتمية الأول للثاني على سبيل السببية أو العلة هو قول مردود باطل لا وجه ليقينه ولا قبوله، بل هو زعم غير ممكن الركون إلى منطقه ولا إلى ما يحاول تسويقه، فهو ناشي عن خلل في النظر وقصور في الرؤيا وانحراف في الفكر عن جوهر فجوته الحضارية وإنما أراد أن يظهر نفسه على نحو يخالف ذلك من أجل تبرير نكوصه وردته، فلو افترضنا أن هجمة الإمبراطورية على هذه المنطقة كانت لسبب ما كما في الحروب الصليبية السابقة والمعلومة في تاريخ هذه المنطقة وسواء أكان سببها المعلن هو ما هي عليه أم كانت لأسباب استعمارية محض قد وجدت طريقها لمواجهة ضمن إطار الحقوق والشرائع الإنسانية والدولية في الدفاع عن النفس في موضع المواجهة دون غيره، لما أمكن عندئذ توفّر أسباب إضافية لاستمرار وإعادة إنتاج هذه الحرب من جديد كلَّ مرة ولفقدت هذه الحرب زخمها هناك واشتغلت بقوانينها الخاصة بها من خلال المقاومة المشروعة والتي مارستها دولة الإمبراطورية ذاتها في تاريخها يوما ولن يكون بوسعها عندئذ تطوير وهمها وتصديره من جديد، ولكنّ الشكل المتوافر حاليا هو الشكل المثالي الذي يريح هذا الطرف وذاك الطرف ويجعلهما عناصر كرة النار في الفراغ بينما تكون ضحيتها في المحتوى الإنساني لكل جانب منها هذا فضلاً عما تسببهُ من ضرر مؤكَّد على المقاومة الحقيقية الوطنية منها والإسلامية على حد سواء في مواضع المواجهة الفعلية.

وعليه فإن أسباب الإمبراطورية تحديداً في حربها الوهمية التي تخوضها مؤخراً وفي آخر محطاتها في العراق كانت في واقع الأمر منتزعة من وهمها بالعدو الجديد الذي احتاجته أي -الإسلام –ولم تكن القاعدة وأمثالها عند الإمبراطورية إلا أداة مناسبة لتطوير وهميتها هذه والاتكاء على وجودها لتغذيته مما يلقي بظلال من الشكِّ حول مجمل حربها الوهمية لولا وجود هذه القاعدة.

وفي المقابل فإن وهمية القاعدة بكونها تؤدي دوراً ً في الدفاع عن الأمة كان يمكن له أن ينكشف تماماً لو حدث واستخدمت الإمبراطورية –فيما لو كانت تنوي ذلك حقاً- وسائل أخرى أكثر وضوحاً وأقل جحيماً مما استخدمته وعممته بل وانزلقت فيه إلى التبشير بحربها الكونية الجديدة وتبجحها بقدرتها على شنِّ حربين كونيتين في آن معاً والتلويح بالحرب الصليبية الجديدة في ظلِّ حالة من المفاجأة والارتباك الذي أصاب المنطقة برمتها وأخّر في رد فعلها الواضح والمتزن في آن مما كان سيوفّر عناصر سدِّ كوة النار التي استغلتها القاعدة ومثيلاتها ويلقي أيضاً بظلالٍ من الشكِّ حول حاجة الإمبراطورية لهذا النوع تحديداً من الانحراف والشذوذ.

حقاً كانت وهمية القاعدة أيضاً ستنتهي تلقائيا وتسقط ذرائع مرتكزاتها المنحرفة فيما لو أدت المنظومة الفكرية والعقائدية وتاليا الإعلامية الإسلامية دوراً إنقاذياً طارئاً وسريعاً في نزع وهميتها عنها وهو الذي تأخّر كثيراً ليحدث جزئياً، وربما كان في هذا التأخير شبهة تتحملها تحديداً المراجع الدينية الرسمية وغير الرسمية حيث أدى تلكؤها في واقع الأمر إلى خسارة وقت كان ثميناً في رد هذه الانحرافية عن الإسلام كحضارة وكدور إنساني لا يجوز السكوت عن تعريضه لهذا الخطر الحقيقي.

لكنَّ البارز رغم ذلك في انحراف هذه القاعدة والأجدر بإلقاء الضوء حوله يكمن بالذات في طبيعة عمليات هذه القاعدة وخاصة هذه التفجيرات في عواصم العالم وشوارعها، أدنى مرتكز أيديولوجي يبررها إطلاقاً لا في تفجيرات نيويورك ولا تفجيرات لندن ولا فيما بينهما ضد المدنيين أو في عواصم أخرى وخصوصاً العربية والإسلامية منها، والمتوفّر الوحيد هو القول بعد الإشارة إلى الانحرافية الواضحة في فكر ونفس منفذيها هو الحاجة إلى الشريك، هذا الشريك الذي طرحته القاعدة ومثيلاتها بحيث تغدو زخما نظرياً في أسباب الوهم وغطاءً مفصلياً في مراحل تنفيذ حروب الوهم.

لقد وصلت محطة الحرب الوهمية مؤخرا للحظات اكتشاف نادرة لعقم حربها وكان ممكن فعلاً مواجهتها بوهميتها هذه ومطالبتها بإنهاء هذه العدوانية بما ينهي حالة الاستنزاف المستمرة للمنطقة لولا توفّر الشريك الجاهز لتزويدها بأسباب إضافية من خلال تفجيرات لندن مثلا وربما غيرها تالياً في مرحلة تالية.

هل يعني ذلك أنَّ هذه القاعدة ومثيلاتها هي عميل مباشر للإمبراطورية أو أداة مباشرة لها ؟

الحقيقة أنَّ ذلك ليس ضرورياً على الإطلاق وإن كان يلقي بظلال من الشكِّ حوله كما أن نظرية المؤامرة التي قد يرفضها البعض أحيانا سيحتفي بها هنا في هذا الموضع! غير أنَّ النتيجة النهائية ستقود حتما إلى أنَ جملة وظائف هذه الانحرافية المعدودة على الإسلام تؤدي دوراً واضحاً في تدمير منهجي متواصل لكلِّ ما يمت للإسلام بصلة في هذا العالم سواء أكان على المستوى الفكري أم على المستوى المصلحي ويهدد بتقويض الكتلة الحضارية التي كوّنها الإسلام في هذا العالم واستطاع أن يبقي لها مكانا مميزا برغم كلِّ ظروف التعثّر والتأخّر.

- سدِّ الفراغ حتى لا تبقى كوة النار

والحقيقة أن لحظة فراغ مناسبة أدّت إلى نشوء هذا النتوء في وجه المنطقة والكوة الحضارية الإسلامية بحيث خلقت مجالاً لاصطراع الوهميات فوقها وإنشاء كرة النار المتدحرجة هذه، وليس دوما يمكن القول أن هذا الفراغ هو محصّلة منطقية لحال الشلل أو العجز بسبب موازين القوى وخسارة مواجهة سابقة أو تفكّك في البنية العامة أو انعكاس لحالة القطبية الواحدة ونوازعها، فالذهاب دوماً باتجاه إلقاء الذنوب والخطايا على النظام الإسلامي والعربي بعامة هو أسهل الطرق الناشطة مؤخراً في الصحافة تحديداً وفي دور الفكر ودوائر الرأي، ولكنَّ محاولة تحفيز هذا النظام على القيام بدوره دوما هي أكثر كلفة ربما لا يودُّ كثير من مرتاحي الهمم بتجريبها على الأقل كما هو ظاهر للآن.

وبينما كانت المعارضات العربية تنشط في خارج المنطقة وعلى قوانين التوظيف والوظيفة لدى الإمبراطورية ذاتها في تحضيراتها لحربها الوهمية هذه، كانت هذه الإمبراطورية تنزع إلى استخدامها أيضا مرتكزا ثانياً من أجل توسيع الهوة بين هذه الدول وبين مجتمعاتها، ومن ثمَّ التفنُّن في تسويق بضاعة جديدة بمسميات مختلفة تحت أسماء الديموقراطية والعدالة والتنمية والمشاركة السياسية والإصلاح وحقوق الأقليات ومختلف الواجهات التي أتاحت في لحظة الاشتباك المرتب فراغاً مناسباً دخلت من كوته هذه الانحرافات وهذا الشذوذ الذي تتحمله الآن كلُّ الكتلة الحضارية الإسلامية بغض النظر عن مكان كتلتها.

إن نشوء الانحرافات الفكرية كما في حالة القاعدة وأخواتها تتحمله مجموع المنطقة الإسلامية برمتها أنظمة ومنظومين، حكومات وشعوب، أحزاب ومؤسسات، وعلى اختلاف أدوارها ودرجات مسئولياتها، لقد كان من المفيد لقوميي وإسلاميي المنطقة العربية أن يحدثوا لقاءا تهم الأخيرة مبكراً بدل أن يتم اجتماعهم عقب فشل كلٍّ منهم في معركته التي شغل بها هذه المنطقة ذاتها وأورثها المصائب التي تعاني منها الآن، وحيثما وجد هذا اللقاء لنفسه مكانا فإن من المنتظر على الأقل أن يصدر عنه أولاً فكرة واضحة المعالم نحملها خطاباً واضحاً وصريحاً للعالم دون مواربة بنظرة هذه المنطقة لجوهر محمولها الثقافي والحضاري وعلاقته بالآخر وتبرؤه من كلِّ ما يشذُّ عنه ويرميه في مجال المظنون والتهم.

من المفيد أن يظهر المفكرون والاستراتيجيون وعلماء الدين تحديداً موقفهم بوضوح فيما تتعرض له المنطقة من أطماع ومن المفيد على ذات الدرجة والأهمية أن يظهروا موقفهم من الانحراف الذي يتحدث باسم هذه المنطقة ويأتي في شكل القاعدة ومثيلاتها، وهذا لا ينفي أيضاً أن على هذه الدول العربية والإسلامية أن تنشط في تحفيز هذه الجهات على إسنادها هي ولا يتم ذلك فقط من خلال الأدوار الأمنية أو المؤقتة بل يجب أن تكون هذه الأدوار مؤسسية تنهض من خلال معالجة الأمراض العامة التي نشأت في هذه المجتمعات وأولها أزمات الثقة المتبادلة بين الدولة وبين قوى المجتمع لا سيما وأن هذه المجتمعات والشعوب قد طربت إلى فكرة إدانة أنظمتها وتحميلها المسئولية وحدها.

إن المسئولية مشتركة في هذا الموضع بالذات وفي هذه اللحظة بالذات من خلال مصارحة ومكاشفة كبيرة بين قوى المجتمع المختلفة من أجل مستقبل ومصير واحد، إن لحظةً حاسمةً قد حانت ولا بد من خطوة في اتجاه تمنيعي ذاتي يعيد التوازن في منطقتنا الحضارية الإسلامية بحيث يمكن عندها فقط سحب ذرائع وهميات الإمبراطورية ومواجهتها مواجهة واضحة في أطماعها على قاعدة المصالح المشتركة والسلم الدولي وحقوق العرب والمسلمين وتحديداً في جوهر كوة النار أي القضية الفلسطينية، عندها فقط يمكن التيّقن بأن الطريق سيكون سالكاً أمام مستقبلٍ آمن وعلى الأقل خالٍ من حروب الوهميات هذه ومن شراكاتها من بيننا!!! حيث في نهاية الأمر فإن المستفيد منها أخيراً واحد وحيد هو هذا الكيان المصطنع في فلسطين المحتلة.

أيمن اللبدي

20/7/2005

الرد على هذا المقال

نسخة من المقال للطباعة نسخة للطباعة
| حقوق المادة محفوظة ويمكن الاقتباس والنقل مع ذكر المصدر|