{env}

الصفحة الأساسية > رأي > الأنجلوساكسون من( الاسلاموفوبيا) إلى (الإسلاموفيليا)

.

الأنجلوساكسون من( الاسلاموفوبيا) إلى (الإسلاموفيليا)

الثلاثاء 14 نيسان (أبريل) 2015

الأنجلوساكسون من( الاسلاموفوبيا) إلى (الإسلاموفيليا)

- (الأنجلوساكسون)... ما المطلوب : مصحف أم بندقية للإيجار !!؟ وما هو الثمن !!؟

- (الإسلام المعتدل)...ضرورة سياسية أم استبدال السياسي بالاجتماعي ؟!!

ثمة متسع من الوقت لتمجيد الحوارات بأنواعها وتفضيلها على أي من الوسائل الأخرى للفهم والتلاقي وربما للخروج بالنتيجة بجملة من القواسم المشتركة تدعم في نهاية الأمر مسيرة ما وتقويها وتدعها مرتكزة على أسس أكثر رسوخاً ومتانة ً، والحوارات بأنواعها تقود قطعاً إلى تمتين مفهوم الآخر واحترامه وبالتالي تقوي اعتبارات شراكته ليس فقط في مادة الحوار بل حتى في الفائدة التي لا بد لها أن تكون ناتجاً لهذا الحوار حتى لا يتحوّل هذا الحوار بدوره إلى خيار من خيارات القوى في حالات تضعضع مسيرة خططها تلجأ إليه في محاولة لشراء الوقت أو حتى من أجل توظيف هذا الحوار ذاته ضمن الخطة البديلة (ب) والتي تبقى متوقّعةً دوماً عند الكثيرين لا سيما هؤلاء الذين يضطرون للحوار اضطراراً.

- حوارات ومحاور..!

هناك أنماط متعددة لفتت الانتباه مؤخرا من الحوارات التي دعت وتدعو إليها قوى مختلفة وهي موضع انشداد وارتقاب ولا سيما تلك الحوارات التي تجري من أجل سلام تاريخي للكوكب المريض ولسكانه، سلام داخلي يقي هذا العالم شرور الفتن والاضطرابات الإضافية سيما وهي تتناول كثيراً من القضايا التي جرت يوماً ما دون أن تكون أي من هذه الأطراف ذات قدرة على القطع العلمي فيما تقوله وهي إنما مؤيدة في أغلب الأوقات بإيمانها الخاص وتتوقع أن تنزل محاورتها من هذه القوى عند هذا الإيمان وحدوده، حسنا ربما يسعنا عند هذا الحد الإشارة إلى حوار الأديان وخاصة السماوية وهي بلا شك حوارية تخدم إيمان وقناعة معظم سكان هذا الكوكب لا سيما وقد اختفت قوى المواجهة الرئيسة مع هذه الأديان الثلاثة أي قوى الاشتراكية العلمية والمادية التاريخية.

ربما باختفاء هذا التحدي الرئيس والذي فرض نفسه فترة طويلة من الوقت على هذه الأديان فقد أصبح المجال أكثر رحابة لحوار حقيقي يقود إلى جملة من القواسم المشتركة والتي تصبح عند تحققها قاعدة لبناء حركة إنسانية ذات طابع تعميري عوضاً عن صراعات بينها قد تفضي إلى مجال خصب لتكوين مركبات التدمير وأسوأ هذه المركبات كما علّمنا التاريخ نفسه هي تلك المبنية على صراعات دينية الغلاف ومصلحية الجوهر كما هو حال (الحروب الصليبية) مثلا والتي شهدها مشرقنا الإسلامي وامتدت أحداثها على رقعة من الجغرافيا ورقعة من الزمن ليست بالبسيطة، وأيضاً يمكن القول أن ما نشهده حاليا من خلال الصراع العنيف في ذات المنطقة إنما هو نتيجة لتجدد هذه الصراعات التاريخية وتحت ذات الغلاف المصلحي البحت والذي لا شأن لجوهر الأديان به.

كان لافتا ولازال (زلة لسان !) السيد جورج دبليو بوش إبان تجهيز الحملة على العراق باستقدام ذات المصطلح وتوصيف ذات الحالة عبر شعار (الكر وسيدوس) أي الحرب الصليبية ثم في جملة التوظيفات الصريحة التالية منه شخصيا وأحيانا أخرى من مساعديه في مخاطبته لجنود الحملة في محاولة لشحذ اهتمامهم من خلال توصيفهم بصفة فرسان الصليب وأنهم في مهمة حيوية صليبية من الطراز الأول ! حسنا سنتجاوز عن هذه جميعا ونعتبرها غير ذي بال ولكنَّ الواضح الذي لا يمكن إغفاله في كل الأحوال هو حركة ما دعي (بالمسيحية الصهيونية) وجملة ما تقوله هذه الحركة ومركز ثقلها الولايات المتحدة الأمريكية والتي يعتبر الرئيس الأمريكي الحالي وكنيسته التي ينتمي إليها أحد أهم متحزبيها والمتحمسين لها، ومن أهم ما تراه هذه الجهات وباختصار شديد وعلى قاعدة لاهوتية خاصة بها (اسرائيل أولا وثانيا وأخيرا حتى عودة المسيح!!).

هنا يتضح ليس فقط قيام الحركة الصهيونية بامتطاء حصان اليهودية من أجل أغراضٍ مصلحية خاصة ذات نزعات عدوانية توسعية بل وتوافق وتحالف هذا النوع من (المسيحية المتصهينة) من أجل أغراض دينية لاهوتية تفضي في نهاية الأمر إلى انتصار فئوية دينية مصلحية خاصة ترى هذا التحالف وسيلة وضرورة لتحقيق هذا الغرض، والأمر اللافت هو معرفة كل من هذين الطرفين بنوايا الطرف الآخر والوقوف على حقيقة هذا التحالف ومبرراته عند الآخر تماماً في ذات الوقت الذي تمارس فيه المسيحية النصرانية كاثوليكية كانت أم أرثوذكسية وحتى تلك البروتستانتية أو الأنجليكانية نوعاً من الصمت الكثيف حيال هذه المسألة وما ندر وشذَّ أن وقفت إزاءها وقفة منهجية لاهوتية على الأقل كما يفترض وأنها تقف إزاء الدين الثالث أي الإسلام مثلاً.

البابوية وعبر البابا الراحل يوحنا بولس الثاني عملت على متابعة خيار حوار الأديان وبين الديانات الثلاث السماوية ونتج كما يقال عن ذلك بعض قواسم بين النصرانية واليهودية فصلّى البابا الراحل صلاة الغفران الخاصة بإعفاء اليهود (من دم المسيح) كما بقيت العقيدة التاريخية الكاثوليكية تحديداً مصرّةً عليها، واقترب قليلا وعلى خفر من موضوعة الحروب الصليبية على الشرق الإسلامي ليقول لسان حاله (باعتذار على استحياء) دون أن تصل هذه الحال إلى صلاة غفران مشابهة تعيد الأمر إلى نصابه وتوازي على الأقل بين خطوة هنا وخطوةٍ هناك غير أن هذا لم يحدث ورحل البابا وجاء الحبر الأعظم الجديد الألماني (بيندكت) الذي أشيع أنه كان هناك منسقاً للصلاة الأولى ومحركاً لها ليعلن استمرار سياسة الحوار ولكن دون الإسلام- كما ظهر حتى الآن- فهل ذلك يعني أنه كان أيضاً منسقاً لغياب الصلاة الثانية ؟! ربما ولا نود إطلاق أحكام مسبقة بل نفضّلُ أن ننتظر ونرى ثمَّ نحكم عقب ذلك على الأفعال!

لا شكَّ أن في اليهودية ذاتها طائفة ترى اختلافاً جوهرياً مع (المسيحية الصهيونية) ولذات الأسباب وإن بصورة مقلوبة تماماً، ففي حين ترى جماعة (ناطوري كارتا) أنه لا يجوز توراتياً البتة قيام دولة لليهود في فلسطين أو غيرها قبل مجيء المسيح لأن هذه هي أصلاً مهمته الإلهية لكي ينتصر الدين اليهودي نفسه على العالم ويظهر نهائياً – على حد إيمانهم -، فإن المسيحية الصهيونية والكنيسة المشيخانية مثلاً ترى أن تدعيم وجود دولة (إسرائيل) وتمكينها من بناء(الهيكل) هي المقدمة الحقيقية لظهور المسيح من جديد وعودته للإشاعة المسيحية المشيخانية الخاصة بهم والغفران التام لهم وشيوعهم على العالم كلّه دون نقصان وبقوة اللاهوت! هذه الطائفة أي ناطوري كارتا ومن فهم ديني محض ترى في الدولة الاسرائلية الحالية مجرَّد مشروع للصوص والأفاقين وقطاع الطرق والدجالين والمشعوذين على التوراة وكان هناك حتى ما قبل ظهور الكيان الصهيوني وإقامته في فلسطين غصباً واغتصاباً عدد كبير من حاخامات ورابات وطوائف اليهودية الأرثوذوكسية والإصلاحية من يرى أيضاً خلافاً بيِّناً مع مساعي الصهاينة وإن لكلٍ سببه الخاص.

من الناحية الإسلامية ثمة أيضاً ضرورة لحوار خاص بين هذه الطوائف والمذاهب وأهمها وأعمها تلك التي يجب أن تجري بين السنّة والشيعة تحديداً حيث الخلاف السياسي التاريخي القديم والذي ألبس عمداً ثوباً فقهياً تدرَّجَ حتى تلبّسَ في أحيان كثيرة بموضوعة العقائد جهلاً أو قصداً حتى يبقيَ جذوةَ هذا الخلاف منهجيةً متقِّدةً لأسباب في معظمها غير ذات صلة بأصل العقيدة ولا أصل الشريعة ذاتها، هذه الحورات البينية مطلوبة الآن وليس مستقبلاً لا سيما وأنها أصبحت تتهددها رياح التوظيف أيضاً سياسياً وإنما هذه المرة لغير مصلحة الإسلام ولغير مصلحة المسلمين أياُ كان مذهبهم الفقهي الذي يسيرون عليه، هذه الحورات البينية مطلوبة قبل أن يقال أن هناك حاجة ملحة للجواب على مسألة حوار الأديان مع بقية منظومة الأديان السماوية الأخرى.

وعلى غرار حوار الأديان هناك الحوار المتمم الأساس أيضاً وهو حوار الحضارات ذلكَ أن حوار الحضارات إنما هو في جوهره حوار المنظومة الكلية التي يشكِّلُ فيها الدين عموداً رئيساً، فإذا ما سلمت النوايا تماماً في موضوعة حوار الأديان أمكن الركون إلى أن حوار الحضارات سيؤدي حتماً إلى نتائج حقيقية وليس إلى حوار طرشان أو مسرحية في الإيماء الحركي بين المتحاورين وهنا لبُّ المسألة برمتها، ربما يفتتح المثقفون والمفكّرون والفلاسفة والنخب العليا في هذه المجتمعات حوراً أكاديمياً أم حواراً تلقائياً موسمياً بينهم ويسعون ربما في بعض الأحيان –بصدق وسلامة نوايا- إلى الوصول بهكذا حوار إلى نتائج حقيقية تقود إلى تعاون هذه الحضارات وتكاملها بدلاً عن اصطراعها النظري والتنظير له ومواجهتها الفعلية والتمهيد لها، ولكنَّ نتائج بعيدة الأثر لن يكتب لها النجاح فيما لو استمرّت علمانية الطابع دون أن يرفدها ويؤسس لها حوار أديان حقيقي لما في البعد الديني من ثبات وقوة في الأثر لا شكَّ في ذلك ولا مراء.

أما الحوار الثالث وهو أقلُّها شأناً في مرتبة الفكر وشؤونه فهو حوارات القوى وهذه الحوارات على الأغلب حوارات موسمية طارئة تنشأ دوما عن رغبة القوى الأكثر تضرراً في ساعةٍ من إنصات قد لا تقود طويلاً إلى أكثر من ذلك، بينما تلجأ إليها القوى الجبارة حينما تصطدم بوقائع تعثُّر برامجها المصلحية الخاصة نتيجة لقوى أخرى يعطيها الميدان لا سيما إن كانت مسلَّحةً بفكرة نظرية قوية أفضلية في إعاقة إنجاز القوى الطاغية أو تهديد برامجها بالكلية وهذا هو شأن ما سمي مؤخراً بالحوار مع (الإسلام المعتدل) والذي سعت إليه الإمبراطورية الأمريكية وحليفتها المتممة البيريطانية لتشكِّل أساس الاستراتيجيا القادمة لها في شأن المنطقة!

- (اسلاموفوبيا) تبادلي مع (الاسلاموفيليا)

جملة من التحركات الأمريكية والبريطانية تحديداً قد سجّلت مؤخراً باتجاه (الإسلام المعتدل) كما أذاعت هذه الجهات المختلفة، البعض قال بأنها تهدف إلى محاولة للفهم وفي محاولة (للحوار)، والبعض الآخر قال بل هي محاولة لاستخدام الإسلام المعتدل هذا في مواجهة (الإسلام المتطرف)، كان بعضها قد بدأ مبكراً سريَّ الطابع وأصبح اليوم معظمها مباشراً تماماً تحت هذه المظلة (الأنجلوساكسونية)و علناً، صحيح أن جزءً منها قد جرى عبر بوابة الدور الأوروبي لكنَّها جرت لحساب الناتو في نهاية الأمر وبعبارة أخرى لحساب السيد الأمريكي واللافت الجديد أن هذه اللقاءات التي جرت غدت محجاً دائباً لا يني يتكاثر وبسرعة غريبة واعترفت بذلك أطراف هذه الحوارات ولم تنكرها وإن كان لكلٍ حجته في ذلك، فما الذي يجري يا ترى حتى تصبح الصيغة الجديدة استراتيجية المعلم ومن قبل ا(لأنجلو ساكسون) تحديداً بحيث يدور الدولاب باتجاه (الإسلاموفيليا) بدلاً من (الإسلاموفوبيا) التي أشاعته هي نفسها خلال العقد المنصرم؟

هناك مواقف مختلفة وأقوال متشعبة في هذا الحوار وأهدافه وطبيعته وكيف نشأ وما دور هذه الأطراف فيه وماذا تريد منه وعلى أي قاعدة يسير، وقبل الولوج لمحاولة التعرُّض لهذا كله من المفيد أن نتذكّر أن هذه الحال الجديدة ليست ابتداعاً كما يرى البعض أي منظومة (الإسلاموفيليا) فهو برأيهم هو أحد الوجوه القديمة- الجديدة على اعتبار أن هذه الأطراف لها علاقتها القديمة التاريخية معاً وإن كانت تتم في عباءة أصولها القديمة لا عباءات فروعها الجديدة، كما أن هؤلاء المراقبين يشيرون قطعا إلى مرحلة السبعينات وترجمة هذه العلاقات أمريكياً من خلال استخدام (أطراف الجهاد الإسلامي المقدَّس ) في المواجهة مع الاتحاد السوفيتي كما في أفغانستان مثلاً، وكذلك استخدام ذات الجوهر من نوع هذه العلاقة في المواجهة القديمة مع التيار القومي العربي الذي مثله الرئيس الراحل جمال عبد الناصر وهذه المرة من قبل الكولونيالية البريطانية والاستعمار القديم والتي وجدت ضالتها عبر توظيف حركة الأخوان المسلمين لتنفيذ هذا الدور الاستراتيجي في مصر.

طبعاً أطراف العلاقة لهم وجهات نظرهم الأخرى في هذا الموضوع بينما تقف آراء تتبنى الموقف الإسلامي الذائد عن الجهاد المقدس في أفغانستان ومرحلته وحتى عن مرحلة المواجهة مع التيار القومي والناصري تحديداً لتدفع من ناحيتها بأن هذا التعاون في كلا الحالتين إنما كان تعاوناً مصلحياً بحتاً تصادف وأن تلاقت مصالح الأطراف عليه في دفع ضررٍ عن المسألة الإسلامية عقائدياً من خلال خطر الشيوعية وماديتها التاريخية والماركسية اللينينية وكذا فيما يتعلق بالاشتراكية العربية التي تبناها الخط القومي العربي أو خطر وقوع المنطقة العربية والإسلامية نفسها فريسة المجال والتأثير الاستراتيجي الشيوعي ذاته وما مثّله الاتحاد السوفييتي مباشرة أو بالوكالة حيث علاقات التيار القومي العربي التحالفية الخاصة مع هذا القطب الدولي وبالتالي جملة ما كان سيقدِّمه عربوناً لهذا التحالف الخاص وطبيعته المميزة وضمنها قطعا بضع تنازلات في مسائل هوية وعقيدة الأمة على اعتبار خواص هذا الحليف الاستراتيجي الفكرية وتقديمه إياها على مصلحته المباشرة كدولة في كثير من الأحيان نتيجة صراعاته العقائدية في العالم!

هذا سؤال تاريخي مفتوح ويحتاج كثيراً من النظر وهو ليس مجالنا هنا بحال بيد أن ما نحن بصدده هنا هو ملاحظة تباشير التبديل السريع القائمة حالياً لدى صانع الاستراتيجيات الأمريكي والبريطاني في شأن الموقف من الإسلام السياسي وكيف يمكن التعامل معه مجدداً بعيداً عما اجتهدت نفسها في الإشاعة حوله منذ عقد تام شهد خلالها أهم المفاصل التاريخية في حياة هذه المنطقة بعد أحداث سبتمبر وهي غزو العراق وأفغانستان أساساً، واللافت أن جوقة المسيحية الصهيونية التي أطلقت العنان لموجة (الاسلاموفوبيا) و(الفوضى الخلاّقة) و(صراع الحضارات) و(نهاية التاريخ) هي ذاتها التي تغذ الخطى الآن في التبشير بنوع خاص من (الإسلاموفيليا) لتحلَّ محلَّ ما اجتهدت في إشاعته طويلاً ورتّبت لخطى تنفيذه وتعميمه على مستوى العالم بل واستخدمت كلَّ قواها المباشرة وإمكاناتها الخفية في الضغوط اقتصادياً وسياسياً ودبلوماسياً بل وحتى لم تتورع في كثير من الأحيان من استخدام المؤسسات المختلفة الأممية منها والمحلية وبالأشكال المختلفة من مراكز الأبحاث ومراكز الإعلام وحتى استخدام الفنون وبضمنها الأداة الشهيرة (هوليوود) وتوظيفها لهذا الغرض فماذا حدث الآن وما مبررات دوران هذا الدولاب وبهذه السرعة ؟!

سؤال أساس وملح قطعاً ولكنَّ ما يسبقه هو أين ذهبت جملة عوامل الاسلاموفوبيا وخاصة العقائدية منها والتي قدمتها هذه الدوائر بين يدي صناعة التخويف لكلِّ ما يمت لاسم الإسلام بصلة ؟ أين ذهبت أيضاً جملة الركائز التي اتهمت وانتقد عليها الإسلام الاجتماعي ولم توفِّر هذه الركائز الأمريكية التصنيف حتى الأعمال الخيرية وتلك التي كانت ذات طابع إنساني بحت حيث تمثلها الجمعيات والمؤسسات الزكوية وأيضا في أحيان كثيرة تبرعات الدول الإسلامية وعلى رأسها المملكة العربية السعودية؟ هذه أسئلة تحتاج إجابات منطقية وعلمية ذات منهاج عقلي موضوعي لا أحسب أنها متوفرة أو قد تتوافر لهذا الاستراتيجي (اأنجلوساكسوني) والذي قرَّر فجأة تبديل عملته بين ليلة وضحاها ويفترض أنَّ على هذا العالم أن يصيخ حيث يهذي وأن يطيع حيث يتعنّت وأن يصدِّق حين يقول بغض النظر عمّا يقوله !!

قبل النظر لماذا الآن من المفيد استعراض بعض من هذه المؤشرات العلنية وما الذي قدمته هي بلسان حالها عن نفسها مؤخراً هناك نموذجان لهذه الحوارات أحدهما جرى في بيروت والآخر جرى في الدوحة:

1- اجتماعات حوارية في مارس الماضي في بيروت شملت كلاً من دبلوماسيين أمريكيين،‏ ومسئولين في من حزب الله وحماس وبدعم من الاتحاد الأوروبي الذي أصدر هذا الأخير وثيقة بضرورة التعامل مع تيار الإسلام السياسي المعتدل،‏ بعضهم عقّب قائلاً : أن البحث عن أبواب الإخوان المسلمين لم ينقطع إلي الآن‏ !

2- جلسات منتدى أمريكا والعالم الإسلامي المغلقة في قطر حيث شهدت مداخلات عدة بينها ومن أبرزها تلك التي كانت للسيد سكوت كاربنيترمساعد المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط والتي أوضح بها: (أنهم في أمريكا سيتحاورون مع الإسلام السياسي، ‏ وأنهم لن يكرروا الأخطاء السابقة عندما تجاهلوا هذه الجماعات بناء علي نصائح من الشرق الأوسط، ‏ وكرر تصريح رايس بالتعامل مع حكومات أصولية حتى لو كانت متطرفة إذا وصلت عبر صناديق الاقتراع).

خطوة إضافية بعيداً عن الحورات ذاتها وجلساتها وفي الجانب الخفي في أروقة وغرف المتابعة الأمريكية لصنع استراتيجيا هذه الحورات وأجندتها ومن ثم رسم سياساتها الحرفية لتوليد النواتج والأهداف هناك مؤشرات أخرى يحسن استقدام بعضها من أجل صورة أوضح قليلاً ولنأخذ هذه المقتطفات الواردة في وسائل الإعلام :

1- تقرير عنوانه <عقول وقلوب ودولارات> نشرته مجلة يو اس نيوز يقول: (واشنطن تشن حربا سياسية غير مسبوقة منذ ذروة الحرب الباردة، تشمل تمويل وسائل إعلام عربية ومعاهد فكرية ومواقع إسلامية بهدف دعم الإسلام المعتدل في مواجهة الإسلام الراديكالي الذي تحمله مسؤولية إفراز التنظيمات الجهادية وعلي رأسها القاعدة ) كما يقول التقرير(وبين الإجراءات التكتيكية التي يشملها البرنامج الاستخباري الأمريكي التعاون مع الإسلاميين المعارضين لتنظيم القاعدة بهدف الأضرار بصدقية أولئك المعادين لأمريكا، ولا يستبعد البرنامج جماعة الأخوان المسلمين باعتبارها احد ابرز دعاة الإسلام المعتدل حاليا، وخاصة أنها تتمتع بشخصية كبيرة في العديد من الدول العربية والإسلامية، ويقول ميلت بيرون الذي عمل لأكثر من ثلاثين عاما في الوكالة المركزية للاستخبارات، وخدم في دول إسلامية إن جماعة الأخوان المسلمين جزء من الحل أكثر منها جزء من المشكلة).

2- تسريب إعلامي من واشنطن مفاده (أن مجلس الأمن القومي الأمريكي بدأ بهذه المراجعة عام 2002 بناء على مقترحات من وزيرة الخارجية الأمريكية الحالية "كونداليزا رايس" عندما كانت على رأس المجلس وإن نائبها آنذاك الذي يشغل الآن موقع مستشار الأمن القومي "ستيفان هاري" على وشك أن ينتهي من وضع تقرير مفصل عن مواقف هذه الجماعات ومدى اتساع القاعدة الشعبية التي تستند إليها في كل حالة وسياستها تجاه المجموعات الراديكالية المتشددة، وذلك لوضع توصية حول احتمال تعديل اتجاه سياسة الولايات المتحدة نحو تلك المنظمات).

3- عقدت لجنة العلاقات الدولية بمجلس النواب الأمريكي برئاسة عضو الكونجرس "هنري هايد" جلسة استماع لبحث موقع المنظمات الإسلامية المعتدلة من خريطة الشرق الأوسط الديمقراطي. وتحدث في الجلسة عدد من المختصين من بينهم "آميي هادثورن" الباحثة في معهد "كازيجي إنداومنت" وعمر حمزاوي الباحث المصري الزائر في نفس المعهد وآخرون، لكن المشكلة الرئيسية التي برزت في الجلسة كانت التوفيق بين الدعوة إلى الديمقراطية وخلفية العديد من تلك المنظمات الإسلامية عن الديمقراطية المتسمة بالرفض لها.

4- زيارات متبادلة ولقاءات ضمن برامج أعدت لهذا الغرض كما في برنامج "الزائر الدولي" في الولايات المتحدة الأمريكية وبرنامج بعنوان "عملية صنع القرار في السياسة الخارجية الأميركية" حيث شارك عدد من الصحفيين والأكاديميين العرب في لقاءات وحوارات في واشنطن وعدة ولايات أميركية مع مسئولين وخبراء أمريكيين في السياسة الخارجية تجاه العالم العربي على أن يكون ضمن هؤلاء الزائرين من يمثل الإسلام السياسي المعتدل وحركاته التي وضعت مؤخراً الإدارة الأمريكية بها ورقة خاصة وحصرت عددها الأولي في 17 منظمة إسلامية وعربية معتدلة.

5- تقارير وتوصيات من خبراء( بنوك التفكير) الأمريكية توصي بضرورة الشروع في دبلوماسيات عامة هدفها كما قال واضع أحد هذه الأوراق وهو ادوارد جرجيان حول دور الدبلوماسية الأميركية فيما أسماه بمعركة كسب العقول والقلوب حيث أصدر ذلك في تقرير بعنوان "من الصراع إلى التعاون: كتابة فصل جديد في العلاقات الأميركية- العربية" وأصدرته لجنة استشارية أشرف على عملها مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية في واشنطن CSIS (3\ 25)، وأبرز ما يوصي به التقرير هو تقوية العلاقات التبادلية مع الشعوب العربية من خلال المنح المتبادلة، و"الاستثمار في جيل القيادات العربية القادم" من الكتاب والأكاديميين والقادة السياسيين. ويقر التقرير أن العلاقات العربية الأميركية تمر اليوم بأسوأ مراحلها التاريخية.

- محاولة للاقتراب

بعد استعراض هذه الجملة من الوقائع يمكن أن تشكّل هذه الجملة مدخلاً لبحث يفضي إلى إجابات حول طبيعة هذا الحوار وأهدافه ونشأته وماذا يراد منه وتلخيصاً للسؤال الكبير لماذا ولأي هدف ؟! ، هناك من وضع تصوّرات أولية في محاولة هذه الإجابة ويحسن أن نجمل هذه التصوّرات على تعدد مناطق اختيارها للسبب الأبرز في ظنِّها بعيداً عن استثناء حتى أوهاها حجة وأضعفها منطقاً، ولعلنا نبرزها في النظريات التالية:

1- محاولة الفهم: يرى أصحاب هذا الظن أن الإمبراطورية كانت دوما بعيداً عن الاهتمام بفهم نشاطات ومحتوى دعوة هذه الجماعات والمنظمات التي حذِّرت من التعامل معها مبكِّراً كما تم تصويرها لصانع الاستراتيجيا الأمريكية دم بأنها الخطر القادم، ولما انتهت الإمبراطورية من واجهتها الكبرى مع نقيضها الشيوعي كان ممكنا لها أن تصنِّفها بما ترتكز عليه هذه القوى من محتوى فكري إسلامي بديلاً لهذا العدوِّ باعتبار (حاجة الإمبراطورية) إلى عدوٍ جديد، وهذه الإمبراطورية وسّعت من درجة الاندفاع في عدوانيتها هذه بحيث عمَّمت العدوانية للعدو الجديد كقوة وكمحتوى فكري مما نشأ عنه عدوانيتها تجاه الدين نفسه أي (الإسلام) وبالتالي وقعت في مشكلة كبرى عندما قامت بهذه الاستنساخية الآلية لعداوتها للعدو السابق الشيوعي كدولة وقوة وكمحتوى فكري تمثله الشيوعية التي نالت أيضاً نصيبا وافراً من العداء، وحينما نشأ هذا التناقض الجديد أرادت الإمبراطورية أن تجري مراجعة لموقفها هذه فرأت أن أنسب طريق لذلك هو الحوار مع هذه الجماعات والمنظمات باعتبارها تمثِّل الرصيد الشعبي للمحتوى أي الإسلام عندما لمست أن مجرَّد تكرار الإعلان عن احترامهم لهذا الدين وأنهم لا يقصدونه بالعداء وخاصة عقب أحداث سبتمبر وزيارات الساسة وعلى رأسهم بوش للمساجد لا تفي بهذا الغرض في الدفع عن فهمها المغلوط- كما تقول- لدى الرصيد الشعبي الإسلامي، لذا فإنها لجأت إلى هذا الحوار كحاجة لتحسين صورتها من جهة ولتدارك الخطأ الذي وقعت فيه من جهة أخرى حيث إن الحوار مع المراجع الرسمية الإسلامية ممثلا في الأزهر أو النجف أو مكة المكرمة لن يؤدي غرض الوصول السريع إلى الكتلة الشعبية الإسلامية الأكبر التي تمثِّلها هذه القوى كما أدركت الإمبراطورية مؤخراً، أصحاب هذه النظرية يقولون أن هذه الحوارية والاستعداد لها قد نشأت مبكراً وحتى قبل أحداث سبتمبر الشهيرة ولكنها تعرّضت لهزة عنيفة بعيد أحداث نيويورك الشهيرة وتوقفت لتعاود النشاط من جديد بعد بروز آثار خطرة جدة لهذا التناقض المبدئي في (صياغة نظرية العدو الجديد للإمبراطورية) حيث كانت النتائج كارثية على الإمبراطورية نتيجة خطأ التعميم هذا والتوصيف بأن العدو القادم للإمبراطورية هو (الخطر الأخضر) دون تمييز وحاليا يشير هؤلاء إلى قيام المخابرات الأمريكية باستنساخ بعض برامج ناجحة من عهد كيسنجر كانت استهدفت التفرقة بين الاشتراكيين المعتدلين والشيوعيين المتشددين، حسب بيتر رودمان، احد مساعدي كيسنجر، ويعمل حاليا مساعدا لوزير الدفاع الأمريكي لشؤون الأمن الدولي.!

2- التعديل الاضطراري:- يرى أصحاب هذا القول أن الإمبراطورية اصطدمت بنتائج التعميم الخطر الذي وقعت فيه لا سيما بعد غزو أفغانستان والعراق وربما ضرب السودان أيضاً فكانت النتيجة أن استطاعت هذه القوى والمنظمات الإسلامية تجنيد الساحة الشعبية الأكبر ضد الإمبراطورية وخلقت بذلك مساحة واسعة لتحرك الجماعات العنيفة من جديد بعد أن وحّدتها في حربها ضد الإمبراطورية وضد شريكها الاستراتيجي في المنطقة أي (إسرائيل)، كما لمست هذه الإمبراطورية عدم قدرة المراكز الإسلامية التقليدية والخاضعة للدول من تخفيض درجة هذه الكراهية ولا حتى تبرير مواقف الدول الإسلامية التي رهنت استراتيجياتها في هذا المجال بالصمت الحذر فاعتبرت الإمبراطورية أن البديل الوحيد الذي يمكنها أن تلجأ إليه ليساعدها في مسألة إبلاغ رسالتها بالتعديل هذا هو هذه الجمعيات والمنظمات والأحزاب والقوى الإسلامية التي بعضها هو في حسابات المعارضة السياسية في دولها فكانت أن قصدتها من أجل إنجاز هذه المهمة التعديلية الاضطرارية ولا سيما بعد أن ازدادت ورطة الإمبراطورية وكلفة حربها في العراق وأفغانستان وضيق مساحات جبروتها نتيجة لذلك في مراكز ساخنة أخرى كما هو حال المواجهة المفتوحة مع كوريا الشمالية والصراع البارد مع بعض دول أمريكيا اللاتينية كحالة فنزويلا، وعليه فإن حاجتها إلى شريك فاعل تمرِّرُ من خلاله هذا التعديل الاضطراري برَّر تماما الحوار مع هذه القوى في نظرها وجعلها تعلن صياغة جديدة تقول (بالإسلام المعتدل) وفي الجهة المقابلة (الإسلام المتطرف) أو الإرهابي وصنّفت القوى التي تواجهها مثل القاعدة من هذه الزاوية بينما فسحت المجال لتصنيف الأخوان المسلمين مثلا على أساس أنها تمثِّلُ الإسلام المعتدل والشريك المقبول في هذه المهمة، ولمساعدتها في إنجاز التبريرية لهذا الاختيار أشاعت جواً من الرومانتيكية حول هذه القوى تمهيداً لبدأ عملية الغزل الحوارية على أساس أن الشروط التي وضعتها في الطرف أو الشريك الإسلامي المعتدل الجديد متوفرة تماماً في هذه القوى، وهذه الشروط أهمها: عدم استخدام العنف ونبذه والقبول بتداول السلطة السلمي عبر صندوق الاقتراع وعدم معارضة مبدأ الديموقراطية في المجتمعات الإسلامية وطبعا بعض شروط أخرى أقل أهمية بالتأكيد من هذه ضمنها حقوق المرأة والعدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان وإن استخدمت هذه على نطاق براغماتي دوغمائي في الإعلام، وتسوق الإمبراطورية مثلاً على ذلك في وصول الأخوان على حكومات سابقة كما في الأردن وأنه كان يتوجب دعم وصول جبهة الإنقاذ في الجزائر حينما تم الاقتراع لها، وهي ترى في مشاركة (أخوان العراق) مثلاً في الحكومة أو في دور (أخوان الكويت) المقابل أمثلة على أن لا مشكلة من إتاحة المجال لهذه القوى على نطاق واسع في المنطقة.

3- تحضير البديل:- أما أصحاب هذه النظرية فهم يعتمدون اعتمادا كبيراً على جملة آراء وزيرة الخارجية الأمريكية ومساعديها في البديل الواجب الاستعداد للتعامل معه في المنطقة الإسلامية ممثلاً بهذه القوى والأحزاب بديلاً عن الأنظمة القائمة حالياً، وفي الفترة القائمة حالياً فإنه سيكون مفيداً ممارسة الضغوط على هذه الأنظمة من خلال هذه القوى واستخدامها في ترهيب هذه الدول والتلويح بالبديل الطبيعي لها طالما تمتّعت هذه بالشعبية الكافية في نظر الإمبراطورية حيث تم التصنيف أساسا في قائمة 17 على أساس الشعبية، ووجهة نظر السيدة رايس تتلخّص في أنه يمكن لهذه القوى أن تخلف الأنظمة الحالية بعيد إشاعة (الفوضى الخلاقة) وتحديداً في منطقة الشرق الأوسط، وهم يسوقون أمثلة على الدول التي يمكن أن تتخلّق تحت قيادة هذه القوى وعند وصولها بطرق ديموقراطية كما هو حال العدالة والتنمية في تركيا ومؤخراً كما هو حال الدولة التي يجري بناؤها على هذا الأساس- حسب رأيهم- في العراق عقب الغزو والاحتلال، وفي هذين المثالين يسوق أصحاب البديل فكرتهم على قاعدة أن (أردوغان) السني و(السيستاني) الشيعي أمكن التعامل معهما وفق هذه النظرة وها هما يصلحان مثلاً لما يمكن أن تكون عليه الحال في بقية المواقع وبالتالي فإن إيران يمكن لها أن تتحول سيستانية بتوافق مع قوى شيعية مناسبة ومصر وسوريا أردوغانية ًبالتوافق مع قوى الأخوان وتكمن المشكلة في دول الخليج العربي وبالأخص السعودية باعتبارها مستعصية على نشاط الأخوان المسلمين التقليدي ولذا فهي متهمة بالمذهب الوهابي السني وتجري عملية الهجوم عليها باستمرار على هذا الأساس ربما في محاولة لفتح المجال أمام هذه القوى الحليفة الجديدة، وتقبع مشكلة الإمبراطورية الرئيس في هذه القوى عندما يتعلق الأمر بالخروج من الغلاف باتجاه العمق في أهم شروطها في البديل وهو موقف هذه البدائل من العلمية السلمية والعداء لإسرائيل من جهة والموقف من مصالح الإمبراطورية من جهة أخرى في هذه المنطقة وعلى هذه القوى أن تكون جاهزة للشروع في إظهار الإجابة الواضحة حول هاتين المسألتين لأنهما الأهم بالنسبة للإمبراطورية حيث هنا الشروط الحقيقية للتأهيل بينما تبقى الشروط المعلنة السابق سردها مجرّد البداية لدخول النادي لا أكثر ولا أقل، وبالمجمل فإن أطرافاً عدة ترى أنه يمكن تطوير مواقف هذه القوى إلى هذه الناحية حيث أمكن ذلك فعلاً كما في المثالين السابقين من العراق وتركيا وعليه أصبح هؤلاء بالنسبة للإمبراطورية ليسوا فزاعة بل هم خيار ممكن توصي بالتعامل معهم واللقاء معهم أكبر مؤسسات الإدارة الأمريكية الإستراتيجية، كمؤسسة "رند" و"كريسس جروب" كما ويسعد السيد ال ريتشارد هاس مدير إدارة التخطيط السياسي بوزارة السيدة رايس التصريح مثلا <بأن الولايات المتحدة لا تخشى وصول تيارات إسلامية إلى السلطة لتحل محل الأنظمة القمعية العربية التي "تتسبب بتكميمها الأفواه في اندلاع أعمال الإرهاب"، شريطة أن تصل عن طريق ديمقراطي وأن تتبنى الديمقراطية كوسيلة للحكم> واللافت أن الإمبراطورية تفترض أن وصول هذا البديل سيرضي القاعدة الشعبية في هذه الدول وسيترك لها مجالا للاحتفاء بخيارها الجديد على أمل أن تقود إلى مواجهة فساد إداري ومالي تشتكي منه وخلق وضع أفضل وهي إما تنجح أو تفشل أمام الجماهير فليتح لها هذه الفرصة!

- مواجهة الحقيقة

وسواء أكانت أسباب الإمبراطورية في هذا الحوار هي أيا من هذه النظريات أو أخرى تالية فإن هذه الإمبراطورية تغذُّ الخطى في مشوارها الحواري في ذات الوقت الذي تنشط في محاولة تحسين صورتها أمام المواطن العربي والإسلامي إعلاميا وثقافيا من خلال حملات نشطة بدأتها في راديو (سوا) وقناة (الحرة) الفضائية وتستمرُّ في دعمها ببرامج جديدة حيث تزمع الإمبراطورية زيادة المبلغ المرصود سابقا لهذه الغاية وقدره 1.3 مليار دولار سنويا مع برامج جديدة تستهدف زيادة مساحة تغطية هذه الأدوات وإضافة أخرى جديدة باللغة الفارسية والأوردية.

وإذا كانت الإمبراطورية الآن تجلس في وضع الأفضلية على طاولة هذا الحوار باعتبارها الأقوى سياسياً واقتصادياً وعسكرياً فإنها الأضعف من الناحية الفكرية والثقافية وهي تطلب من هذه القوى ما عندها من شرعية في هذه الناحية مقابل تمكينها من الدخول إلى نادي الحكم والسلطة وتمكينها من تحقيق غايتها السياسية في هذا المجال ولكن بشروط أهمها نزع المحتوى السياسي الإمبراطوري الإسلامي (التاريخي) والقبول بتحوُّل ذلك إلى نزعة محلية في مناطقها ضمن سيطرة وهيمنة الإمبراطورية القائمة حاليا والممتلكة ناصية العالم ومثل هذا الشرط يعني باختصار قبول كل التبدلات المطلوبة على ذات الرسالة وذات الفكر الذي تقول به هذه القوى ليل نهار وتعديله ليلائم الواقع، مثل هذا الحوار سيكون مجاله في الدول الإسلامية الرئيسة ولكن ليس مع هذه القوى في مكان حساس حول الشريك الاستراتيجي الأصيل أي (إسرائيل).

فمع تلك القوى كحماس مثلاً أو حزب الله اللبناني على هذه القوى أن تتوقع تحويلاً جذرياً لأفق فكرها السياسي إلى أفق اجتماعي محض وقبولها بدخول لعبة الديموقراطية في موقعها الجغرافي على هذا الأساس وثمة شرط رئيس يتلو ذلك في موقفها من العملية السلمية وقبول وجود وفاعلية (إسرائيل) في المنطقة ودون تحقيق هذين الشرطين فإن لا مجال لقبول عضوية هذه القوى في الحوار أو اعتبارها بديلا مقبولاً في حالة وصولها للسلطة في مواقعها وإن كان وصولها نتاج عملية ديموقراطية سلمية تامة دون خدوش، فالأهم سيكون ليس عملية طريقة الوصول وإن ألقت سلاحها وبندقيتها وتحوّلت إلى حزب سياسي في مواقعها الجغرافية بالجملة، ولكن الأهم هو طبيعة برامجها التي ستصل على أساسها والتي يتوجب أن تجد الإمبراطورية في هذه البرامج جواباً يرضيها حول مسألتي قبول (إسرائيل) والحوار معها من جهة ومسألة قبول المصالح الإمبراطورية في المنطقة.

من الواضح أن هناك جدلاً ساخناً بين هذه القوى المرشحة بعضها يرتكز إلى أسس عقدية في مسألة قبول الحوار أولاً على هذه الأسس فضلاً عن الشروع فيه وبعضها يعتمد على ملخص لتجارب براغماتية وخبرات وقصص سابقة في هذا المجال، ولا شكَّ أن قوىً رئيسة في هذه المنظمات والجماعات الإسلامية تلحُّ على ضرورة التقاط الفرصة التاريخية التي سنحت لها والبدء فوراً بالحوار ثم مناقشة كيفية موائمة تخريج القبول بهذه الشروط عقائدياً على أرض الواقع، ولعلَّ هذا يتوفر أكثر في موقف الأخوان المسلمين كتنظيم دولي وقطري في عدد من الدول العربية والإسلامية كما هو حال أخوان مصر وسوريا مثلا حيث بدأت عملية التسخين مع الأنظمة هناك سيما بعد أن أعلن هؤلاء موقفهم من مسألة الرؤيا الأمريكية بضرورة الديموقراطية والإصلاح، أما في حالتي حماس وحزب الله فالمشكلة أعمق والتحدي أكبر وإن ثمة مشاهدات تدلُّ على بدء التحوّلات الجذرية تدريجياً للاقتراب من مساحة الشروط الإمبراطورية هذه، فحزب الله سقف اعتراضه على إلقاء سلاحه هو مسألة مزارع شبعا وحماس سقف اعتراضها هو انسحاب إسرائيل من الضفة والقطاع وهذه نصف الطريق.

أما ما تبقى فهو رهن بما ستقدمه حماس سيما بعد قبولها بدخول العملية الانتخابية الاشتراعية في فلسطين ونزولها عند التهدئة وتناغمها مع فكرة تشكيل حكومة والجلوس إلى مفاوضات محتملة مع (إسرائيل) وفي حالة حزب الله فإن رضوخه عند القبول بنزع سلاحه نتيجة لحوار داخلي لبناني في ظلِّ غياب الضمان السابق لوصول هكذا حوار دوما لمصلحته بوجود سوريا وحيث أن الأقرب الآن هو الوصول إلى قناعة بنزع هذا السلاح لأن الحوار الداخلي اللبناني حاليا بعد التبدّلات التي هبّت لن يفضي لنتيجة غير هذه لا سيما بوجود منطق جديد يقول بتحقيق مصلحة السلم الداخلي اللبناني وعقب عودة العماد عون ومنطقه بضرورة وضع مسألة شبعا تحديداً في مسارها الأممي الدولي عندما يتحقق لبنانية هذه الأرض قانونياً وهو الذريعة الوحيدة التي تبقي لحزب الله سلاحه حالياً.

- الطريق الثالث

حسنا مفهوم الآن أسباب رغبة الإمبراطورية في الحوار وربما يمكن فهم أسباب رغبة الطرف الآخر على قاعدة تقول بأن هناك حاجة لإبلاغ هذه الإمبراطورية برسالة الشعبية التي تمثِّلها هذه القوى وأنه لا بد من الانفتاح على كلِّ من يرغب بالإطلاع على حقيقة الأمر من داخله، هذا يعتمد على التسليم لهذه القوى بأنها تمثل هذه الساحة الشعبية التي استقدمتها الإمبراطورية للحوار على أساس هذه التمثيلية وحجمها، كما أن من حق هذه القوى أن تبلغ رسالة أخرى أهم في ظننا وهي الرسالة المتعلقة بالمحتوى الفكري الذي تقول هذه القوى بتمثيله وهو (الإسلام ) طبعا وطبيعته التسامحية السلمية وغير العنيفة وإن لا بد من الإشارة أن هذه الرسالة الأخرى ليست حكراً على هذه القوى باعتبارها ترفع باسمه شعاراتها وبرامجها، فالإسلام هو أيضا ملك للمجتمع المسلم بعامة وضمن ذلك القوى الأخرى والمراكز الرسمية في الدول، وحيث أن اختيار الإمبراطورية لها جرى على أساس من شعبيتها للمشاركة في التعديلية فلا مانع من أن تكون الطرف الذي يقوم بنقل هذه الرسالة طالما هو في هذا المكان.

في إبلاغ الرسالة السمحاء عن الإسلام وحثِّ هذه الإمبراطورية على تعديل موقفها ونظرها من عموم الإسلام كدين لا يمكن أن يكون مقبولاً بحال موضعته ضمن نظرية الإمبراطورية في العداء، وفي الذود عن التعميم بأن كلَّ مسلم هو مشروع إرهاب قيمة لافتة، وطالما لا تريد هذه الإمبراطورية أن تسمع ذلك من جهات أخرى فإن المجال سيكون رحباً لترجمة هذه الرسالة في هكذا حوار وسيكون مفيداً قياس نجاح هذه الجهات تبعاً لقياس تبدُّلِ أفعال الإمبراطورية وليس أقوالها تالياً عقب هذه الحوارات، فإن تبدَّلت أفعالها تجاه الإسلام والمسلمين عامة فإن هذه القوى تكون قد حصلت على نتيجة لا مانع من إضافتها لها رصيداً مستحقاً وسيكون من الجميل أن يشار إلى ذلك باعتباره إنجازا قد حققته هذه القوى في هذه الحواريات، وعلينا أن نكون أيضا من المشيدين بهذه القوى في هذا المجال إن تحق لها هذا الفوز الثمين، ولكن كيف تقاس هذه الأفعال الإمبراطورية المتوقعة استجابة لوصول رسالة هذه القوى إليها ؟! هنا يكمن السؤال الأهم مستقبلاً ولنتخيَّل مثلاً كأبسط الأمثلة وأهونها أن تقبل الإمبراطورية بأن يجري تعديل قوانين الدخول للولايات المتحدة بحيث لا يتم استجواب العرب والمسلمين تحديداً في كلِّ شبر من مواني الدخول على اعتبار أنهم إرهابيون محتملون!!أو أن يجري السماح للجمعيات الإسلامية بالحركة بحرية تامة في أعمالها الخيرية وتحويلاتها بحيث لا تتهم دوما وتغدو مشاريع تمويل للإرهاب الإسلامي وتقف جملة هذه المشاريع الخيرية تماماً نتيجة لهذا الافتراض المسبق!!

أما العنصر الأهم فهو إبلاغ الرسالة الشعبية للمواطن العربي والمسلم الذي يرى ويحكم على الأفعال لا الأقوال أيضا فهذا القياس ليس حكراً على ساسة الإمبراطورية، ورسالة هذه القوى الشعبية يجب أن تكون أمينة في إبلاغها بحيث يقال للإمبراطورية أن المشكلة الرئيس ليست في النظم كنظم أو في من يحكم ومن يتولى السلطة أو كيف يتم تداولها في الدول الإسلامية، وليست في الفساد الإداري والسياسي والمادي والأخلاقي، وليست في الحريات عامة ومنها حرية المواطن والمرأة والصحافة، وليست في تخلُّف كل أوجه التنمية، وليست في النزاعات المذهبية والعرقية وحقوق الأقليات من كلِّ نوع، وليست في عودة الاقطاعات الناهمة الجديدة وذوبان الطبقات الوسطى، ولا في مئات الشواهد هنا المفضية إلى الاحتقانات وأحياناً العنف والتشدُّد، ولكن كلَّ هذه هي اعتبارات ثانوية يمكن لها أن تجد حلولاً مرضية في حوارات من نوع خاص هي حوارات بين قوى هذه المجتمعات ونخبها الحاكمة أو من هي في المعارضة العلنية أو السرية، وأن المشكلة الرئيس تكمن في شره الإمبراطورية نفسها وحليفها الاستراتيجي (إسرائيل) وليس أبعد من ذلك.

في هذه اللحظة حينما تقوم هذه القوى بإبلاغ هذه الرسالة فقط يمكن لنا أن نعيد حسن الظنِّ في هذه الحواريات ونتغاضى عن كلِّ الموانع العقدية أو الشرعية التي ربما يرفعها جزء من هذه القوى في وجه الجزء الآخر منها على اعتبار حياديتنا بين هؤلاء وهؤلاء، وحينما تقوم هذه القوى المدعوة للحوار بالإيضاح لهذه الإمبراطورية أنها ليست حصان طروادة الإسلامي (المعتدل) وأنها لم تقبل دخول الحوار من أـجل استخدامها مجرَّد ورقة بديلة يتم التلويح بداية بها في وجه أنظمتها الوطنية أو دعمها بديلاً للخيار الأسوأ الذي تمثله (القاعدة) وأخواتها وتاليا مساندتها على الطريقة الإمبراطورية في الجلوس مكانها، وأنها ترى في طريقة حلف الإمبراطورية الاستراتيجي مع أهم أسباب جميع مشاكل المنطقة ومتاعب الإمبراطورية فيها أي (إسرائيل) المعضلة الكبرى أمام أي تعاون واقتسام مصالح وقبول بقيام شراكات استراتيجية حقيقية على قواعد الاحترام والتبادلية والتسامحية والصداقة الحقيقية وليس على غير ذلك حينها يمكن عندئذ القول بأن هذه القوى قد أفلحت في شق طريق ثالث تسير فيه هذه المجتمعات الإسلامية وتفرض على الإدارة الإمبراطورية أن تعدِّل في خططها الاستراتيجية للمنطقة الإسلامية.

- ما قبل الحواريات...!

ربما كي تستطيع أية قوى أن تنجح في حوارها فضلاً عن أن تدخل هذا الحوار أصلاً فإن من المفيد لها أن تراجع نفسها قليلاً وترى إن كان بإمكانها فعلاً أن تقوم بهذا الحوارعلى أسس سليمة أم أنها ستساق إليه سوقاً تحت ضغط عوامل القوة التي تفقدها في مواجهة الإمبراطورية، وكيف يمكن أن يكون هناك أجواء مهيئة لحوار في ظل حالة الهجوم الشامل الذي تشنه الإمبراطورية في كل المواقع نظرياً وفكرياً بالإضافة إلى كونها أيضاً تشنه ميدانياً وفعلياً، فإذا ما أضيف لهذا كله وجود النوايا المسبقة وغير المطمئنة – والمدهش – أنها معلنة للملأ، يمكن حينئذ توقع مشروعية التردُّد قبل قبول الحوار أصلاً ما لم تقدِّم الإمبراطورية على الأقل دلائل على حسن النوايا.

كيف يمكن لأجواء تمرُّ فيها الحالة بحوادث معلنة ويجري الكشف عنها بالتدريج كما هو حالة تدنيس القرآن الكريم مثلاً وتشجيع بوادر وبذور الكراهية والاستخفاف بالآخر المطلوب لطاولة الحوار وترك الباب الخلفي مفتوحاً للقوى والأفراد بإعادة تكرار هذه الأحداث مجدداً بحقه وحق معتقده وأرضه طالما أن يد القصاص الجدية غير متوفرة بل ومغيَّبة عن سبق إصرار من خلال استثناء المعتدي من المثول أمام أي مساءلة والاكتفاء بتحقيقات داخلية تجرى بطرق تعرضها هوليود مراراً وتنتهي إلى إعلانات مقتضبة في أحسن حالاتها وعند اعترافها بالوقائع جملة تشيح به إلى الهامش على أنها حالات معزولة وإذا ما عادت لطريقتها الخاصة في الديموقراطية والعدالة تتهم الضحية بسوء التعاطي مع القضية وتعريض قضيته للانتهاك على النحو الذي بشرنا به البيت الأبيض مؤخراً في إعلانه عن نتيجة التحقيق في قضايا تدنيس المصحف الشريف!

في فهم الإمبراطورية تشير هذه المطالعة أن القوى المدعوة للحوار عليها أن تستلم بطاقة الدعوة لهذا الحوار معنونة بعنوان غريب أساسه( اللاذاكرة) وتالياً (اللاإحساس) ، هكذا تريد الإمبراطورية أن تبدأ القوى المتحاورة جلوسها إلى طاولة الحوار المفترض، قادمة على هذا النحو الذي يلغي تماماً ما لديها من أقوال سواء أكانت دفوعاً أم حتى أسئلة مشروعة فيما لو كانت هذه الحواريات هي حواريات طبيعية وتجري وفق النسق الطبيعي للحوار بين المحاورين، بيد أن هكذا اشتراطات مسبقة وعلى هذا النحو من الإمبراطورية تبشّر أولاً قبل نتيجة هذا الحوار التي ستصبح والحالة هذه معلومة ممكنة التوقع بسهولة، تبشِّر باقتلاع نهائي لاحتمال كون هذا الحوار ممكناً مستقبلاً في زمن آخر مثلاً وتدع هذا الحوار وأي حوار معها برسم العبث وتعمل على تأجيج أخطر نتيجة لهذه الممارسة غير المسئولة ألا وهي (التيئيس) من الحوار أصلاً معها وهي نتيجة تحمل بذور أيَّ انفجارات محتملة وقادمة تتحمل مسئوليتها الإمبراطورية نفسها.

من غير المعقول أن لا تكون نتيجة مرعبة مثل هذه قد غابت عن بال الإمبراطورية وهي تدعو لحوار تجتهد فيه إعلامياً أن تظهر منفتحة وراغبة في الوصول إلى استخلاصات بعينها هي من الطبيعة المفترض تضادها مع النتيجة التي ستحصل عليها الإمبراطورية فيما لو بقيت على ذات الأسلوب في التعامل مع هذه القوى التي تدعوها للحوار! والقراءة الواقعية تقول أن احتمالات إلصاق تهم جزافية طائشة بهذه القوى ذاتها مستقبلا وتحميلها بالتالي وزر هذه الانفجارات الممكنة تغدو واقعية بالنظر إلى الأسلوب المسجّل حصرياً باسم الإمبراطورية في لوم الضحية واعتبارها مسئولة عما أصابها "نتيجة لسوء تعاملها مع هذا الحوار"! هل هذه النتيجة ممكنة ومعقولة؟! في الواقع نعم حيث يدفع بها إلى اليقين شواهد ودلائل كثيرة يضمها خزان الذاكرة التي ترغب الإمبراطورية أولا في تفريغه قبل الجلوس إلى حواراتها.

- لماذا لا نلعب كلَّ الأوراق ؟!

من المدهش أن حواراً مثل هذا وفرصة مثل هذه كانت ستكون فعلاً ذهبية لو سبقها أوراق تقوية متوفرة ولا يجري استغلالها، مثل هذا الحوار سيحتاج أولا حوارين أسلفنا الحديث عن أحدهما وهو الحوار الداخلي البيني فيما سبق من حلقات وبقي أن نشير إلى حوار آخر يجدر أن نتنبه إلى أهميته الكبيرة اليوم وليس غداً، هذا الحوار هو حوار مطلوب مع الإمبراطورية القادمة المؤهلة وهي تزحف باتجاه ساعتها الحتمية ألا وهي إمبراطورية الشرق الأقصى والصين تحديداً، فلماذا لا تكون هناك حوارات جدية وفاعلة مع هذا الشرق الأقصى اليوم تجري فيه عملية تمتين حقيقية والوصول إلى نتائج تنسيقية حقيقية والكفّ عن التعامل مع هذا الرقم الشرقي وكأنه في الجيب دائماً !

الواقع الاقتصادي والسياسي القائم حاليا في العالم يعلن صراحة عن هذا الدور المتوقع ليس من هذا اليوم بل من عقد أو عقد ونصف تقريبا حيث كانت الدلائل الاقتصادية الدولية تشير باتجاه هذا الشرق القادم بقوة وخاصة بعد ان استطاعت دولتان آسيويتان هما ماليزيا وكوريا تحقيق القيام من أكبر عملية سطو دولية عندما تعرضت النمور للضربة الأكبر في اقتصادياتها، هاتان الدولتان استطاعتا أن تحققا تغييراً في المشهد اعتماداً على نفسيهما أولاً ودون الحاجة إلى القدر المسلّط كالسيف والمسمى (بالبنك الدولي) أي شبّأك الإمبراطورية وبتعاونٍ لافت مع الصين تحديداً، طبعاً كان هناك تعاون مع اليابان ومع الهند أقل شأناً ولكنَّ التسارع الحقيقي لنهوضهما تمَّ بمساعدة الإمبراطورية القادمة.

طبعاً في مسألة التجربة العملاقة ثمة عوامل أخرى دعمت الخيار الصحيح بالتوجه إلى المحيط وإلى القاعدة الأساسية الشرقية، إذ أن هذا الخيار الذي اتخذته هاتان الدولتان وتحديداً ماليزيا كان قائماً على احترام الذات المطابق لاحترام اليابان لذاتها عند خطوها الأول في تجربتها الخاصة عقب الحرب العالمية الثانية، وتسلّحت هذه الدول بإدارة سليمة ومتابعة حثيثة للتخطيط والتنفيذ والمراقبة مما كتب لتجربتها هذا النجاح المشهود والذي وصفه البعض بالمعجزة الدولية التي لم يكن متوقعاً أن تصل إلى هذه النتائج وفي هذا الزمن القصير نسبيا وتلك هي علامة فارقة أخرى في القصة.

استفادةً من تجارب الواقع ولعلمنا الأكيد بأن خلفية الصورة دائماً هي الاقتصاد سواء أكانت الصورة سياسية متحركة أم تبدو فكرية ثابتة فإن البطل الخفي دوما هو الاقتصاد، وعليه فإن حوارات مع هذا التنين الاقتصادي الذي يسجّل يومياً انتقاله من مرحلة النمو إلى مرحلة فرض القرار أصبح مهيئاً تماماً لنسج علاقات معه تتقاطع في أكثر من نقطة ولعل واحدة من هذه النقاط ستكون أكثر من كافية لإيداع أوراق هامة في جيب المتفاوض أو المتحاور مع الإمبراطورية الحالية، طبعا حوارات الاقتصاد يلزمها الدولة والكيانات الرسمية ولكن تقاسماً للأدوار بين هذه القوى في المجتمعات الاسلامية لصالح المستقبل يمكن به الوصول إلى إسناد متناغم يجعل الإمبراطورية على الأقل في وضع تستعد فيه للتخلي عن الشروط المسبقة التي تضعها وتنزل من عليائها الذي يخلق الأجواء السوداء من حول أي حوار متوقع هذا في أقل تقدير.

أيمن اللبدي

6/6/2005

الرد على هذا المقال

نسخة من المقال للطباعة نسخة للطباعة
| حقوق المادة محفوظة ويمكن الاقتباس والنقل مع ذكر المصدر|