{env}

الصفحة الأساسية > مدونة > اعتذارا واحتراما

.

اعتذارا واحتراما

الأربعاء 21 شباط (فبراير) 2024

بدأت داء القراءة والاطلاع المعرفي باكرا، اذكر انها كانت في السنة الخامسة الدراسية، معظم ما كنت اقرأ آنذاك لم أكن عليه بقادر، فقد تصادف أن وقعت علی كنز أو بواقي كنز معرفي، تبقی من جدي لأمي الذي كان قد حصل علی عالمية الأزهر عام ٣٢،وقد انشغل بالكتابة والتعليم وانشاء المدارس، وما تبقی من مكتبة عامرة معظمها أمهات الكتب بالتجليد القديم، والحرف الذي من عرف ما أعنيه، فهم ما كانت عليه عملية القراءة عندها، وقد رحل في ٤٨ وبقيت بضع كتب٠
في مرحلة لاحقة، ما لبثت أن بدأت أفهم وأعي ما بين يدي، من أصول اللغة، وأصول الشريعة، وأصول الفقه، وأصول التاريخ، يمكنك تخيل ذلك من العقد الفريد والكامل الی تأويل مختلف الحديث، ومن ابن هشام الی ابن الأثير، الی (بنوكيو) القصة التي ترجمها عن العبرية، وبضع مترجمات روسية والمانية، فقد كان يتقن سبع لغات، بينها التركية والفارسية وطبعا انجليزية جون٠
كان أكثر ما استغرقني خارج اللغة، وخارج الأدب، خيط التاريخ وخيط الفقه، والعقل والنقل وما بينهما، وكانت مسألة ما مر من محنة اهل البيت الأطهار عليهم السلام، وبين مواقف الناس بعدها مثيرة ومقلقة، بيد ان اكثرها حكَّاً كان مسألة ما مر من عصور الغاب، بعيد قدوم المغول والصليبيين، ثم ما كان من تداخل ومراحل، وما نجم عن إلجاء بعض الفرق لتلوذ بالصاٸلين الجدد، هربا من عسف الظالمين القدامی، رغم ان لا تبرير فيها أبدا، وكيف كانت هذه القصة مدعاة، تكفير ودليل تبرير، ذكر لكم الصحفي العتيق والمبدع، الاخ نبهان خريشة مٶخرا قصة الفاطمي الأفضل مع زارعي الرها وأنطاكية٠
كانت كتب ما دعي شيخ الاسلام الحراني احداها، ولست بمعرض استعراضها، ولا فلِّ اشكالياتها، الا في نقطة واحدة تخص انحرافات الجماعة بصنيعهم، واتكأت علی مشاهدة معاشة وفيها حقاٸق وهي عامة واسعة لا لزوم للخوض فيها، بيد ان خلاصتها كانت جملة واحدة، شرط انتصار المسلمين والجماعة، قتال الشيعة والنصيرية والفاطمية والاسماعيلية والزيدية والموحدين وهلمجرا من الفرق، قبل قتال النصاری واليهود، فهم اساس العلل، وهم موطن البلل، وهكذا كانت تسير معظم ثقافات مدارس مختلفة، حملت ذلك وانتشرت لاحقا وعمت وزادت، طبعا علی أساس أنها تنظّر لنفسها بأنها ستكون مقدمة الصفوف المواجهة نيابة عن بيضة العقيدة والمقدسات، ولا أظنها تغفل الأقصی من قاٸمة المقدسات٠
طبعا مع الوقت تنوعت وتوسعت الاطلاعات، والانخراطات، وتغيرت قناعات كثيرة، وتشكلت رٶی أخری، وتفتحت خلاصات مختلفة، ولكن جملة اقول: لا اعرف عدد الكتب التي هي حصيلة نصف قرن من القراءة اليوم، ولا اعرف الوقت الذي استغرقته، ولا ادري اهي بعدد الشعر الابيض، ام بما قد تبقی من أسوده، لكن ما رأيناه منذ ماٸة ويقترب من نيِّفها،بما نسف هذا الفخ المعرفي السابق، وان كان مهزوزا اصلا لدي، ولا ادری عند من يتبقی وهمه الان،سيما وان كل الفٸات التي ذكر او اغلبها، اليوم تخالف فخه القديم وبزاوية ١٨٠ درجة، جعلني افترض بذات المنطوق، أن هٔٶلاء الذين يقاتلون النصاری واليهود اليوم ممن ظلموا بخلاصات صاحبنا، هم علی الأقل الان يستحقون اعتذارا واحتراما، ولو كان الحراني حيا لاعتذر بنفسه، ولم يكن ليترك خلفه إثما كهذا، وتقعيد تأبيد حكم مطلق بحق أبناء القبلة الواحدة، سيما وهم يدفعون اليوم عن القبلة الأولی، منفردين او يكادون، هكذا أعتقد، أو هكذا يطيب لي أن أظن٠

الرد على هذا المقال

نسخة من المقال للطباعة نسخة للطباعة
| حقوق المادة محفوظة ويمكن الاقتباس والنقل مع ذكر المصدر|