{env}

الصفحة الأساسية > فيوض > حول المنجز > الذات الفلسطينية تنتصر على القلق..

.

الذات الفلسطينية تنتصر على القلق..

السبت 11 نيسان (أبريل) 2015

الذات الفلسطينية تنتصر على القلق..

GIF - 4.7 كيلوبايت


- عدنان كنفاني - أديب وكاتب - سوريا

فطرة الخالق أن نعشق الموسيقى.. ربما هي الفسحة المثلى للروح في كل وقت، وفي كل شعور بسقطة في متاهات خيبة، أو في ألق نشوة..
ويبقى الشعر ديوان العرب، وتبقى الآآه المقلوعة من قاع وجع أو فرح أو انشراح هي المعيار الأصدق، وقد يسمح لي المقام بإطلاق سؤالات ربما تحمل في مجاميعها بعض أجوبة، فأتساءل:
هل بالضرورة أن يكون الكاتب أو الشاعر فلسطينياً ليعبّر بصدق أكثر عن الحالة الفلسطينية بمحاورها المتعددة..؟
وهل بالضرورة أن يكون فلسطينياً وفي قلب الحدث ليكون الأصدق في التقاط وسائل التعبير..؟
هو سؤال مزدوج مفتوح لا أضع له جواباً لكنني أطرحه فقط للتعبير عن غاية سروري وسعادتي وأنا ألتقط ديوان "انتفاضيات" للشاعر الفلسطيني "أيمن اللبدي..!"
أتساءل.. أيهما ديوان العرب.؟ الشعر أم الرواية.؟
ولماذا الشعر.؟ ولماذا الرواية.؟
ولماذا قام هذا الجدل أصلاً.؟ ومن يستطيع أن يضع الفيصل.؟
في هذا الزمن الرديء نجهد في البحث عن شمّاعات نعلّق عليها أسباب سقوطنا.. ويقودنا الحال إلى التبرؤ حتى من إنسانيتنا. فنظلم هذا ونصفق لذاك..
ومن قال أن الشعر يعيش زمن الهبوط والرواية ناجية.؟
الكل في هبوط.. وما نجده بين أيدينا الآن وعلى رفوف المكتبات التي أنقلب أكثرها إلى مطاعم بيتزا وهامبرغر.. أو إلى جحور رومانسية أمكنة مستورة للقاءات مشبوهة.. صنائع عولمة قادمة على ماكنة إعلام هادرة..
كان الشهيد غسان كنفاني يبحث دؤوباً عن الكتب المسفّة الهابطة، وما أن يعثر على أحدها -وكانت نادرة في ذلك الوقت- حتى تملؤه سعادة وغبطة وكأنه عثر على كنز، يأخذه إلى ركنه، ويسلخ جلد كاتبه وسنسفيل من صرح له بالنشر والانتشار..
اليوم.. وأنا بين تلال من الكتب الأدبية "شعر وقصة ورواية" أيضاً، أبحث دؤوباً عن الكتاب الجيد.!
فجأة ودون سابق إعلام يقع صدفة.. واللـه صدفة.. ديوان شعر قيد الطبع لشاعر لا أقول مغموراً، لكن مفردة مغيّباً قد تكون أدقّ.. تقرأ بفتور بادئ ذي بدء، ثم تمسك بك الدهشة، تخرج من بين الأضلاع همسة حميمة.. تقول باسترخاء وحبور: اللــه..
هو هذا الديوان بين يدي، وأنا مؤمن بأن المثقف النظيف هو ضمير الناس. عليه أن يحمل بشفافية هذه المسؤولية..
عندما نتابع أسماء لا تتبدّل بتنا نحفظها عن ظهر قلب تجدها تطلّ عليك من كل صحيفة أو مجلة أو كتاب.. تتحفنا بدروس العارف والمستشرف والموسوعي في فهم كل شيء من فن الطبخ إلى علم الفضاء والمجرّات.. وهي.! هذه الأسماء قدر ثقافتنا، ومقررة أهلية مثقّفينا.. والوصيّة على تقدير القيمة الإبداعية لمذاهب إبداعات المبدعين.. تُسقط من تشاء، وتصعد بمن تشاء، بيدها الأمر والحكم والقرار..
نقرأ ذلك الهابط، تأتيك القصائد جافّة، وغزيرة كأنها نزيف طلقات مدفع رشاش لا يتوّقف، ويسوّقها البعض إلينا نحن المستهلكين على أنها صرعة العصر.. نقرأ فنكتشف على لسان ذلك الكاتب جهل المتنبي وامرؤ القيس.! ونسخر من حِكم زهير ووجدانيات الشابّي.. نلقي عليها وعليهم لعنات إصرارهم على الحدّ من طموحنا للانطلاق إلى رغبة عارمة على التجديد.. وباسم التجديد وعلى مركبه تتسلّق طحالب أكثر من أن تحصى حتى تكاد تغطي الأصلاء.. بل وتلقيهم في مجاهل النسيان والإهمال..
لست أدري لم أخذني الحال وخرجت عن محور ما أردت الكتابة عنه.؟ وكنت قد فرغت لتوّي من
قراءة مجموعة القصائد في الديوان هذا الذي بين يدي.. (انتفاضيات)، منظومة قصائد لو أعدت قراءتها ستجدها ملضومة بخيط خفي يقودها برفق من بين ذراعيّ حبيبة أنثى، أو من وسط لهيب محرقة، أو من لوعة رثاء لتصل في النهاية إلى فلسطين.. تلك الساكنة في أعمق الروح.. هي البداية وهي الطريق ومنها ولها دفق القصائد..
هذه الروح القلقة هي قدر الفلسطيني، هي التي ربما كانت وقود الشعلة التي تعطي ولا ينضب عطاؤها.. عندما تلبس الكلمة ألقها.. تحمل قيمتها.. يشعّ وهجها وتقترب بنا من ملمس الجرح:
أيها الغريب المثقل بالوجع.. أيها الـ مثلي متى ترسو بنا المراكب.؟ متى يصبح الشوق إلى حبيبة لا يأخذنا في لحظات السحر إلى جَلدِ أجسادنا.. كأننا نراها لا تستحق غير الفداء والشهادة وعبق الغبار والنار..
هذا هو َ السردابُ حتفك ْ
ولتعدْ مثلما كنتَ حقيراً في الموالد ْ
ها هو َ الوجهُ احترق ْ
فلتقمْ حيثُ تقامْ
وكأنك ترثي في استشهاد غيرك شهادتك الآتية
مصطفى
ها قد وصلت الآنَ نجماً ساطعا ً
فتوهَّج ْ
وارتفع ْ
هل هذه أقدارنا التي صنعوها لنا.؟ أم هي تلك التي صنعناها بأيدينا..؟
ربما أمكنكم أن تديروا بينكم أنخاب َ موتي
بعدَ إقفال الستارة ْ
ثمَّ غنّوا للسلامْ
ثمَّ أوصيكم بغازٍ ربما درَّ الدموع َ من عيون ٍ ميتة ْ
ها أنت تضعني قبالة جرحي ينزف وتنزف فأنزف..
وترجّلت زندٌ على صهواتها
ظلَّت حبيسة َ شوقها
قبلَ الوداع ِ
وأغمدت شريانَها في القادمينَ من َ الركام ِ
وأوقدتْ شمعاً على أسمائها
حبلى من السرِّ المقدس ِ
تُرى أيها المسكون بآهاتي المحرقات هل تعذّبك الغائبات بعد أن طواهن الغياب.. هل كلما وارينا جسد ذاكرة نعيش الندم.؟
من يسوقُ الرياحْ ؟
من يديرُ المستحيل ؟!
والجهاتُ في يديهْ
لم يعد للَّيـل ِ دارْ
فالهثي ما شئت ِ اني
قد توشَّحتُ الصباحْ........
ويبقى فينا ألق الوفاء ممتطياً جناح حب ويبقى الصدى يجوب مسامعنا
والوصيَّة ُ سوفَ تبقى من جراحاتي الجليلة ِ لا أريدُ
جوابَها ، دعها على نقش ِ التراب ِ هناكَ تحفرُ صمتها
وتعالَ خذني في ذراعيكَ
البعيدة ِ أرتدي قبلتين ِ وأعتلي مجدي معكْ.....
هل وجدت أيها المكلوم في ذات حلم لحظة حب..؟
سقط َالكلام ْ
فاحملوا أبياتكم عنا بعيدا
وانثروا ما قد تبقى من حروف في الفضاء ْ
قدرنا أن نبقى على الحلم.. قدرنا أن نستاف الحزن من كأس برّاقة ونواصل الأمل.. قدرنا أيها المتعب مثلي أن نستنهض بعيرنا المقعي ونستنبت من قلب موتنا حياة.
واتركونا اليوم َ نرحل ُ في هدوءٍ مثل أسراب ِ الحمام ْ
اتركوا أكفاننا اليومَ وحيدة ْ
اتركوها بضة ً مثل البرد ْ
واصمتوا
قد عذرناكم
فلا تلقوا السلام ْ
ودعنا يا صديقي معاً نعلن البراءة نعلنها صارخة كشمسك الآتية.. من كل زيف، من كل نصل يذبحنا باسم السلام..
قرأت أناي في سطورك يا صديقي.. أعدت نزف جرحي، لكنه النزف اللذيذ الذي ما خلص منا.. وسيبقى فينا، يشدّنا على مواصلة الطريق.. منا من يحيا.. ومنا من سيحيا..!
لا أملك غير قلبي الصغير الكبير فهل يكفي تعبيراً عن فرحي بديوانك.؟ وهل آمل ويأمل أن نواصل معاً يداً بيد المسير حتى تحقيق نصرنا..؟ لك وللشرفاء تقديري..

5/8/2003

الرد على هذا المقال

نسخة من المقال للطباعة نسخة للطباعة
| حقوق المادة محفوظة ويمكن الاقتباس والنقل مع ذكر المصدر|