{env}

الصفحة الأساسية > حوارات > مقابلة الشاعر أيمن اللبدي لموقع إبداعات عربية

.

مقابلة الشاعر أيمن اللبدي لموقع إبداعات عربية

الاثنين 13 نيسان (أبريل) 2015

[(حقيقة هو الوطن ، ووطن شاعرنا أنشودة عاشق ما بقي الزمن ... خلف متاريس المسافات ، ظل الشاعر أيمن اللبدي مؤمنا برسالته ومتمسكا بسجل حافل لصمود ونضال شعب فلسطين . نظم القوافي، وهاجت بحور شعره بأغاريد العاشقين
لمحبوب طالما ناجاه في أشعاره وسطر ملاحمه في صوره الشعرية .
أشكر الشاعر لقبول دعوتي والحديث معه .
)]

أجرى الحوار : سوسن البرغوتي

س 1: البطاقة الشخصية ...

- مواليد فلسطين مدينة طولكرم العام 1962، خريج جامعة بيرزيت العام 1985 من كلية العلوم ، عملت في حقول التعليم والصحافة وأخيرا في الصناعة الطبية كمدير للتسويق منذ مغادرة فلسطين عام 1987، متزوج ولدي أربع كريمات .

س2: البطاقة الأدبية ...

- يقولون شاعراً وربما إن شئت ربما أديبا منذ أكثر من ربع قرن ، كانت تجربة شعرية وأدبية مبكرة ، معظم القصائد الأولى نشرت في صحف فلسطين وخارجها إلى حد ما والنشاط الثقافي والطلابي أثناء سني الدراسة في جامعة بيرزيت أعطى نكهة خاصة للتجربة إضافة إلى الموقع النقابي الذي شغلته كعضو في مجلس الطلبة ، نعم فمن يحدثك هو وأحد ممن كان له شرف الممارسة النضالية ضمن صفوف الحركة الطلابية الفلسطينية في أعوام المواجهة الأولى التي أسست للانتفاضة الأولى، ومن ضمن ما أعتز به من جوائز كان جائزة درع القصيدة العمودية لنشاط أسبوع فلسطين من اللجنة الثقافية في جامعة بيرزيت ، الكتابة في الصحف والمجلات هو النشاط الذي توقف وتحول إلى شبكة الإنترنت إيمانا بأهميتها المستقبلية وبابها العريض للتواصل والتخاطب خاصة مع الآخر ، لا زال هناك من نشاط مكثف أحيانا مع عدد من المواقع العربية والأجنبية ، والمهم أن الكتابة لا زالت في خضم التجربة التي لن أستطيع أن أجزم متى يمكنني القول عنها أني راض ٍ عن منجزاتها، الوقت لا زال مبكراً .

س3: تقييمكم لضرورة النشر بالنسبة للشاعر أو الأديب ؟ هل هو من ضرورات الاعتراف به كشاعر ؟

- هنا أتوقف لأقول أني لا أوافق على ذلك إطلاقا ، النشر بقصد الإعلان عن القصيدة طلبا لشهادة لها ولصاحبها مرفوض تماما من حيث المبدأ وإلا أصبحت بضاعة أو صنعة تطلب رخصة ، ولكن النشر بقصد توصيل القصيدة مقبول بل هو الوسيلة المتبعة اليوم ، يبقى الحديث التقني عبر الكتاب ، الجريدة ، الشبكة ، المبّثَّة "التلفاز أو الإذاعة " ، هنا يتوقف الأمر عندي على هامش الحرية في أيها أكثر أستخدمها دون تردد ، هذا هو المعيار وربما أقل شأنا عندي هو نسبة الجماهيرية في الأداة ، على أية حال الشعر يؤتى إليه تماما كما العلم ولا يأتي لأحد ، والشعر الذاهب على قدميه لأحد هو بضاعة وصاحبه على الأغلب طالب تسويق ، ثمّ لدي كلمة ربما موجعة قليلا للبعض لكن لا بد منها وهي أن النص المبدع هو علة وجود النقد وليس العكس والناقد الأمين مع نفسه ومع قيمة ما يحمل من صفة يسعى للبحث عن النص الجيد ويجهد نفسه في الوصول إليه وهذا ما مارسه شيوخ وأئمة النقد في تاريخنا العربي وأحسبه لدى الموروث عند الآخر أيضا فهذا جوهر عمل الناقد المتميز والواعي وليس العكس.

س4: حول مسألة الشعر العمودي أليس هو الأصل ؟

- على الأغلب أن شعر العمود وربما ليس بشكله الذي وصل إليه الآن هو البداية نعم ، طبعا لا يفوتنا أن نشير إلى أنه بدأ رجزا وحداء ونوعا من الأغنية المسجوعة ، على أية حال شعر العمود وخاصة نحن نتحدث هنا عن أساسياته الهيكلية والبنائية وأحسبك تقصدين الأوزان والقافية هو قطعا أساس ثابت للشعر بصفة عامة سواء أكان شعر عمود أم شعر السطر الشعري ، والمدهش أن شعر العمود يقوم على بحور الخليل المعروفة عوضا عن أخرى غيرها تشتق من دوائر العروض ومعظمها مهمل وربما غير معروف للكثير ، بينما لا يمكن الحديث عن شعر السطر الشعري خارج البحور النقية الخمسة وقد قالت في أواخر كتبها الشاعرة الملائكة أن هنالك إمكانية لبحرين آخرين عن طريق تفعيلة ممزوجة وقريبة النسب عروضيا وموسيقيا ولكن التطبيق في نظري فشل تماما وبقي شعر السطر الشعري في إطار البحور النقية المذكورة وخاصة المتدارك منها على الأغلب لما يتيحه من إمكانيات موسيقية عالية لمن قد لا يدقق في السبب.

الملاحظة الثانية بما أننا نتكلم عن البناء فإن شاعراً يحتفي بهذه الصفة ولا يعلم عن الدوائر العروضية ولا عن الموسيقى القابلة للتمدد من خلالها أو لم يعن ولو قليلا بالاطلاع على أساسيات هذا العلم وينطلق مباشرة نحو كتابة السطر الشعري عبر بحر ما يتقنه ويقيم عليه شعره ، هو شاعر بشروط ما ينتجه في ما هو بعد البناء ، ولكنه يبقى في نظري مقيدا كثيرا ومحدد تماما ، ببساطة كمحارب يرفض ذخيرة إضافية عند تقديمها له على أساس أنها ثقيلة الحمل ، لكن هنالك في المقابل من عرف العروض وخبره وقام بكتابة نصوص طويلة ولكنها ليست شعرا بل نظما فالنظم متيسر قطعا لدارس العروض إن كان صاحب لغة سليمة ، ولكنه اجتاز البناء فقط ووقف عنده وبذلك يكون مولودا غير قابل للحياة ولو عاش كان مسخا وينتهي إلى اللاشيء قطعا ، هذا رأيي باختصار وفي الواقع أن شعر العمود هو شعر جمعي احتفالي بمعنى أنه يدرك جماله الإضافي حينما ينشد في جمع ويتوهج عبر الجمع أما شعر السطر الشعري فيصلح جمعا وفردا ويتيح المجال لحرية مميزة سواء لقارئه أم لمستمع إليه ولكن لا بد من التأكيد على أننا بصدد الحديث عن فاكهة هنا تنوعت لتفيد وليس لتتصارع هذا حينما يكون شروط الشعر حقا قد توفرت وقد سبق أن قمت بمحاولة لوضع تبسيط للمعنى المراد بكلمة شعر وأظن أن ما توصلت إليه آنذاك قائم على القول بأن الشعر "هو كل نص نتج عن نبض شعوري في قالب لغوي موسيقي سليم وحرك خيالا في المتلقي".

كما تلاحظين هنا نتحدث عن المحرك والنتيجة وخواصها البنائية والأثر المدلل على خواصها الجمالية الأخرى بمعنى أن النتيجة هي محصلة مستوى هذا الجمال وهذا الإبهار وهذه المعاني وفي هذه المسألة رحم الله شوقي الذي سبقنا فقال إن الشعر إذا لم يكن على هذه الصفة فهو أوزان وأنغام أو كما أسلفنا نظم وفقط نظم .

س5: هل كسب الجولة شعر الحداثة؟

- الآن هنا وبالذات نقف قليلا حول الحداثة ، الحداثة هذه كمصطلح تخص إرثا ليس لنا وزمنا هو ماض ٍ يراد به الحاضر ، وقبل أن تسأليني كيف أقول لك باختصار أن من يستخدم لفظة الحداثة يريد كلمة الحديث في اللغة العربية أي المعاصر القائم حاليا ولا يقصد قطعا "الحداثة مصطلحا بذاتها" ، لا بد من التوضيح بأن الحداثة "Modernism” كما في المصطلح هي احتجاج أدبي غربي وبصوت عال ومنذ بداية القرن العشرين على المرحلة الأدبية السابقة لها وخاصة الفترة الممتدة خلال القرن التاسع عشر وان تعددت التوصيفات الجزئية لمركبات هذا الاحتجاج ودرجة عنفه وصخبه ثم أثره وفعله في الواقع حقا ورافعة التغيير الحقيقية التي خلقها تاليا ، وربما كانت الدادية والسريالية والرمزية هي تجسيد لهذا الرفض المطلق لمواصفات أدب التقليد الفني للقرن التاسع عشر كمدارس أدبية وفنية أيضا بكل سماتها وخواصها التخليقية والانعكاسية الشرطية الخاصة بها ومنهج روادها ومريديها من جهة أخرى ، وهناك أمثلة على رواد هذه المدارس في الأدب الغربي الحديث وقد يشيرون بالبنان لرواد هذه المدارس من أمثال مالارميه وأندريه جيد وفاليري وكافكا واليوت وجويس وغيرهم ، أي أننا كمصطلح نتحدث عن شيء آخر تماما، واليوم في أوروبا يتحدثون عن ما بعد الحداثة وهذا شأنهم هم فيما يعالجون أدباً يخصهم قطعا والموضوع هنا لا أحسب أننا بصدد الحديث عن التجارب الأخرى أو حتى المقارنة وحتما أنت تشيرين إلى النص العربي المعاصر.

حسنا الآن بعد أن بات الأمر واضحا ونحن نتحدث عن النص المعاصر ومنذ مرحلة ما بعد الاستنهاض الذي قاده البارودي وأكمل فيه شوقي ومطران وحافظ وبعد مرحلة التأثيرات الغربية على النص العربي من خلال الرومانسية وما تلاها فجأة ودون مقدمات حقيقية دخلنا مرحلة تداخلات معقدة وتجريبات وربما أحيانا تجارب قافزة في الهواء بسرعة ملفتة للنظر لم تترك حتى مجالا للتدقيق مما أغرى بعوامل فوضوية كثيرة أفرزت واقعا مزعج على صعيد النص والمتلقي والناقد أيضا وبالتالي حدثت الأزمة وعلى هامشها وفي غفلة تامة من هذه الجلبة دخلت أسماء وأقلام كثيرة وادعت إدعاءات غريبة ونصّبت نفسها هنا وهناك ومن ثم مررت عددا من الاجتهادات الغريبة عن الشعر وحتى أحيانا عن النثر والنتيجة النهائية هي لا سمات جديرة بالإشارة إليها باستثناءات محددة هذا بشكل عام .

وبشكل أكثر تحديدا فإن النص الشعري الحديث والمعاصر السليم بشروط الشعر والمبدع بآفاق الإبداع بلا شك يحمل مميزات حقيقية ذات أثر وقيمة تصلح لأن يبنى عليها لتؤسس أولا لتوثيق المرحلة وثانيا لاستشراف مستقبل ثريّ وواعد للأدب العربي والنص العربي أمام هذه المتغيرات شديدة السرعة ولكن ذلك دون نقد حقيقي لا يفي بالغرض ويبقى مجرد فرديات دون منهجة تصلح لتكوين رافعة عامة وشاملة ، وهنا يتساوى كل من النص العمود والنص السطري إن كان المقصود طبعا في السؤال حول الشكل البنائي ، هذا رأيي باختصار .

س6:هل لا زال للشعر دورا إعلاميا كما كان ؟

- الإعلام بالمعنى الذي فهمته من السؤال والذي قطعا يستحضر الدور الذي كان يؤديه الشعر يوما ما عبر التاريخ يمكنني القول لا لم يعد كذلك ولكن ليس نفيا بالمطلق فلا زال لديه شيء من هذا ولكن مسنودا بأداة إعلامية كما ترين ، والحقيقة أن هذا الدور الذي نتحدث عنه ليس دورا أصيلا للشعر بل إنما هو دور طارئ نتيجة لظروف بعينها تنبع من غياب هذه الأدوات سابقا وحينما ظهرت وجرى تداولها مرّر الشعر هذه المهمة العارية إلى صاحبها ووقف عند أدواره الأصيلة ، وربما لما للإعلام من أهمية في حياة الفرد بشكل عام أي فرد وكذلك المجموع ظنّ البعض خطأ أن الشعر فقد مبررات وجوده نظرا لأنه قد وجد من قام بتعبئة هذا الفراغ ، ذلك لأن الإعلام كإعلام هو معظم ما كان يتوخاه الفرد العادي حينما يقف أمام النص ولكن ذلك ليس هو ما ينتظره المتلقي المميز من الشعر ولا حتى الفرد العام إن هو دقق النظر فيما كان يحمل له هذا الشعر حينما كان يتكل إليه ، ولذا فأنا لا أعتقد أن هذا الفرد الذي لا زال يتمثل أمثالا شعرية كلما أراد تميزا في خطابه وقوة في التدليل على ما يريد أو حتى أن يترنم بقصيدة ما منذ ألف عام لا زالت تعيده إلى ذات الجو واللحظة مدرك لما قد يظنه من غياب أثر الشعر لديه لمجرد أنه ما عاد أداة إعلام في حياته.

س7: شعر الشباب ما رأيكم فيه ؟ هل من مواهب تستحق المتابعة وكيف ؟

- إذا كان المقصود بالشباب عمرا كشريحة ، فنعم يوجد مواهب مميزة وواعدة على الأقل فيما عرض علي وهي تستحق العناية قطعا والمتابعة وهنا دور النقد ودور المؤسسات حقيقة وللأسف لا أجد مؤسسة تنهض بهذا الدور سواء أكانت رسمية أم أهلية وربما حتى لا نمعن في التعميم باستثناء قليل ، وأعتقد أن غياب هؤلاء جميعا يترك هذه المواهب عرضة لعوامل التعرية وأخطرها على الإطلاق هو اليأس وبالتالي الصمت والموات ، بمعنى آخر جريمة بحق الأدب نفسه قبل أن تكون بحق صاحب الموهبة أو صاحبتها ، وفي أضعف الإيمان بقاء هذه المواهب حيث هي دون صقل وبرسم إرادة المتابعة والتصميم على الإنجاز لدى أصحابها وهنا لا ينجو إلا نفر قليل وفي كل الحالات هي خسارة حقيقية ، ولذا أتمنى أن يصار إلى مبادرة حقيقية نحو هؤلاء وعدم التعلل بأعذار أكثرها غير منطقي ولا هو صادق ، على أية حال إن الشبكة ومنتدياتها ربما خلقت نوعا من الرعاية الأولية ولكنها قطعا لا تكفي ولا تغني قد تصلح بداية وبابا أوليا فقط.

س8: القصيدة الوطنية نراها لديكم هاجسا دائما وربما قليل من شعر الغزل فهل هنالك أي اهتمامات اجتماعية أخرى مثلا ؟

- حسنا لن أطيل كثيرا لأقول أن المسألة لدي تحديدا، وأنا هنا أتحدث عن تجربتي الخاصة بعيدا عن التأطير والتعميم ، أن النص الوطني والقومي بشكل عام بالنسبة لي كان علة وبوصلة التجربة الشعرية لدي ، طبعا ربما كان السبب المباشر وهو منطقي ومفهوم هو الظرف العام الذي حدث بلورة الوعي الخاص بي كإنسان هناك في فلسطين حيث وطني وهويتي وشعبي تحت حراب النفي والمصادرة ومحاولات تزوير الحقيقة بعنف وقسوة وظلم أيضا في منتهى الإيغال ، هنا كان هنالك التحدي وكان أيضا وقت سماع الرد المتخذ قرارا واتجاها أمام هذا المفصل الأساس في حياة أي فرد عوضا عن موهبة ما ، وهنا عند اتخاذ الاتجاه تندمج كليا عناصر التشكيل وتنصهر لتشكل وحدة واحدة ، بحيث لا يمكن أحيانا الفصل بين النص والذات إطلاقا.

شعر الغزل ولا أحب أن أسميه شخصيا إلا شعر المرأة لأنها تستحق أن تحمل هي ذاتها هذا التوصيف وليس عملية تجري حول جسدها أو حتى حول خلقها أو أي شأن آخر يخصها نسميه تشبيبا وغزلا وما إلى ذلك ، لا هو شعرها هي وما توحي به يأتي لاحقا لها ، هذا النص أعتقد أنه بدأ وظهر لدي عبر ثلاث مراحل ربما كما أعتقد كانت المرحلة الأولى مع بواكير النصوص الأولى شعرا يخاطب امرأة بذاتها ولصفاتها أو ما تثيره تماما ومباشرة ، ومن ثم ومباشرة إلى الأفق الأبعد والأكبر أي المرأة الأولى فلسطين ومن خلالها تتحد المرأة الجزء مهما كان موقعها ووضعها بالمرأة الكل أي الوطن الهاجس والذي لا تتحقق دونه المرأة الجزء ، وأعتقد أن بعضا من النصوص الأخيرة هي أكثر ربما تعميما لأنها أصبحت تأخذ شكل مخاطبة المفهوم والفكرة "الأنثى " والتي هي قطعا تصل منتهى التجريد الجمالي والإبهار والتحفيز التوليدي مع عدم نفي أن يرد نص هنا أو هناك قد يحتفي بالمرأة الذات في وقت ما .

بخصوص النص الاجتماعي هنا أيضا لدي ما أقول وهو أن المادة الاجتماعية مهما كان عنوانها إذا ما شئت مثلا الفقر ، العدالة ، الأمية ، اختاري ما شئت هو في النهاية ملمح من ملامح القضية الأساس وجزء منها لن ينفصل عنها طالما هي مهددة بوجودها ولذا فالنص الوطني يحفل بكثير من ملامح هذه القضايا التي هي وتحت تأثير إلحاح الحدث الوطني هي جزء من الصورة ولا أجدها تنفصل عنها وطبعا بالتالي لم تستقم لأن تصبح قابلة للحياة دونها ، طبعا هنالك بعض النصوص القليلة جدا ومعظمها كان لمناسبات بعينها أكثر منه تناولا منهجيا لقضايا محددة .

س9:بمناسبة النص الوطني ، ملاحظ أن هنالك إفراد وخاصة في موقعكم لقصائد الانتفاضة مع أن هنالك قصائد وطنية وقومية أخرى منفصلة ، لماذا ؟

- نعم هذا صحيح ودعينا نعود إلى الماضي قليلا ، معظم ما تم انتقاؤه ووضعه في الموقع من قصائد وطنية يتناول بعضا من النصوص التي كتبت على مدى العقدين الماضيين مع ما أحاط بالقضية الوطنية من ملابسات وظروف ، فخلال الثمانينات كانت القصائد من وهج الفترة اللبنانية والصمود الأسطوري وكذلك المقاومة في داخل الوطن ، بعض القصائد يمكن أن نقول عنها أنها "بيروتيات " وخاصة بعد الخروج مثل قصيدة " غدا يعود الانتشار" وطبعا كان ذلك وجعا من داخل الوطن المحتل مثقلا عبر جسر الألم الناشب لمن قد صمدوا ثم خرجوا ولا يفوتنا أن نقول أنها كانت فترة تألقت فيها قصائد الرائع درويش مثل " مديح الظل العالي " وعلى أية حال فإن مرحلة ما بعد بيروت ومن داخل الوطن المحتل جاء الرد قويا عبر الانتفاضة الأولى فكانت قصائد الانتفاضة الأولى حاملة وتيرة عالية من التحدي والرغبة في تحقيق الجواب على الخروج بالعودة وفرض الهوية ، أذكر أن مجلات مثل فلسطين الثورة قد نشرت من تلك القصائد كما نشر في داخل فلسطين في مجلات العودة والبيادر وغيرها وكانت أشد تلك المراحل قسوة هي استشهاد نائب القائد العام الأخ والأب " أبو جهاد " خليل الوزير حيث انفجر النص تماما أمام هذه المفصلية على أبواب الانتفاضة وكانت قصيدة " البحر يرحل " صارخة بالألم ولكن أيضا ممعنة في التحدي ومحرضة على الاستمرار وعدم قبول الواقع عند هذا الحدث وأورد لك مقطعا من هذه القصيدة :

البحرُ يرحل ْ..

والموجُ و الشطآنْ

والنورسُ المذبوح ُ عند البابْ

والصوتُ والألوانْ

متعمداً بالفجرِ في ليلِ السرابْ

متواصلاً بالمجدِ والإكليلْ

مترجلاً عند الوصولْ

البحرُ يرحلْ....

فجأةً ،/ تتحولُ الكلماتْ

وتقومُ كوفياتْ

وتحلقُ الأمواجْ

مثلَ السنونو سوفَ نفترشُ الفضاءْ

في لحظةِِ كان الشراعُ يعودْ

ما عادَ يصبرُ أن يحنَّ عليه صبّارُ الحدودْ

ألقى ببوصلةِ الرياحْ

ورمى المجاديفَ العتيقةَ من سماه ْ

سيكونُ عند الثانية ،

ما اعتادَ تأجيلَ المواعيدُ الكبيرةْ

ستطير أصدافٌ وكثبانٌ وحورْ

ستسابق اللحظاتْ

فاليومَ ما عادتْ هناكَ محرَّماتْ

والاختصارُ يصيرُ فنّاً ممكنا

البحرُ عادْ...........

وحينما جاءت مرحلة "أسلو" حقيقة كانت نوعا من الصدمة ، معلوم أن النص لن يتهاون أمام أي انحراف قد يعتبره أو ربما فرض سقف أقل من طموحاته التي يدعو إليها وطنيا وفي هذه اللحظة بالذات أعترف أن الجانب السياسي ربما قد تغلب على الجانب الأدبي الشعري فكتبت عند توقيع أسلو للقائد أبو عمار قصيدة " الحبر الفلسطيني " لقد كانت هذه القصيدة ورغم تقبلها نسبيا لما حدث إلا أنها تستشرف المرحلة وتقول بصوت عال ٍ لا تنازل عن الثابت الوطني العام ، لعل بعضا من هذا النص سيقول أكثر مما تقوله الكلمات ، لديك هذه المقاطع مثلا :

من قالَ فلسطينُ ستصغرْ؟!

من قالَ تذوبْ

من قالَ تبذِّلُ أبوابَ المدنِ وتذبلْ

من قالَ تموتْ

وهناكَ بنو كنعانْ

وهناكَ اللغةُ الأنبل

وهناكَ المجدُ تكلَّلْ

بالنبض الواحدِ والساعدْ

ستظلُّ فلسطينُ الأكبر........

****

نزرعُ غزَّة

نبني الضفةْ

فتصيرُ إلينا يافا مثلَ سنابلِها أقربْ

وتعودُ الأسوار لعكّا

والمجدلُ يمسي الأجمل

نخترقُ ترابا حنَّ لمحراثِ الأجداد

للوشمِ الأول

ننقشهُ أحلاما

نحضنهُ أعواما

نفرشهُ ثقةً لا تنضبْ

ونسيرُ ،

كسنابلِ نيْسانَ وأيارْ

****

نخترعُ الفجرْ

ونزينه مثلَ عرائسِ بلدتنا

نحميهِ من الطوفانْ

نطلقُه في الآفاق مع الفينيقِ

ونكبرْ

رقما أصعبْ

قمرا في بابِ الدارْ

لا نجلسُ فوقَ أيادينا

بلْ نُشعِلُ قنديلَ العودةْ

بالدمْ،

نبلُّ فتائلَهُ يوما يوما

وتصيرُ الأشرعة قلادةْ

فيزهِّرُ نُوارُ اللوزِ

ويغرد شومرنا الأخضر

ليواعدَ حيفا بستانا بستانا

*****

نتوحَّدْ

لطريقِ القدسِ

صفا صفا

ننطلقُ كأسراب النورسْ

ونقولُ أتينا لمْ نيأسْ

فداءا /سلما / زحفا / مشيا ، لم نيأسْ

فهناكَ مفاتيحُ الأزمان

نحملُها وندقُّ الأجراس

أجراسُ العودةِ والبعثِ

ويكونُ الحبرُ فلسطيني.........

وحتى أثناء مرحلة الرؤيا الحالمة ببناء الدولة وأساسياتها وصولا إلى القدس وحيفا ويافا كما يندفع النص به قطعا حدثت ما يمكن أن نعترف بها من تجاوزات وأخطاء وربما ما أعتبرها النص جريمة بحق الحلم والحالمين ببناء هذا الوطن المميز على هامش تلك المرحلة وخاصة فترات تصادم رأى النص أنها تهدد الأسس القوية للوحدة الوطنية التي هي عماد وشرط تحقيق هذا الحلم فلم يصمت أو يعترف بما قدم لذلك من مبررات وصرخ مرة أخرى كما في قصيدة "أيها الصُّبارُ لا ..." ليطلب ممن نسي أن يتذكر وأن يذكر غيره وأورد من هذا النص هذه المقاطع :

السنونو قد تهاجر ْ

والنوارسُ معْ عُباب ِالبحرِ تمضي

واللقالقُ لا تغادر ْ

بينما تلكَ العصافيرُ تودِّع ُ ريشَها

والحمائمُ في انتباهْ

مالكٌ يبقى الحزين ْ

"الدويريُّ " تأهَّب َ منذُ دهرٍ للسفرْ

والقطاة ُ قد تظلّْ

إنها جزء ُ الحكايةْ

والتفاصيلُ كثيرةْ

والشواهد ْ /

والمشاهدْ

هل يغيِّرُها القدرْ

هل يبلِّلُها المطرْ ...........؟!.

*****

ربما تنسى القوافلُ حين تأتي

ربما تنسى التعب ْ

ربما تنسى المواجعَ والجراح ْ

واحتمالاتِ الحقب

والسراديب َالعجيبةْ

والضياعَ

ربما تنسى القرابينَ القديمةْ

ربما تنسى الجسورْ

ربما تنسى التوالدَ والتتاليَ والضرائبَ والتبعثرَ والنسب ْ

ربما تنسى العجبْ

واعجبْ!

*****

ذكِّروها مرتينْ

علَّ ذاكرة َ المسيرة ِفي سباتٍ عندها

إنها كانت صبية ْ

إنها كانت فتية ْ

والمحطاتُ الحزينة ْ

قطَّعتنا في أحايينَ كثيرةْ

إنما كانت أمينة ْ؟

لم تمزِّقْ ساحة َ التسجيل ِ فينا

ربما قد حاولت تزييفَها

ربما كانت لديها كلَّ يومٍ تشرق ُالشمسُ روايةْ

ذكِّروها

لم يكن فرعونُ يسطو كي ُيذلَّ القافلةْ

لم يكن يرجو أسارى

إنما كان يريدُ البحرَ وحشاً يبتلعْ

إنما كان يريدُ الرملَ سطحاً ُمنزَِلقْ

كان يرغبُ أن تروح َ فلا تجيءْ

إنما كانت تعودُ إليه من شُّباكها في كلِّ مرةْ

أين تلك الذاكرةْ ؟؟؟؟

زمِّلوها

قد تعودُ من التلبُّد والموات ْ

وارفقوا بالحلمِ حتى لا يضيع ْ

فالصناديقُ كثيرة

والغنائمُ لم تكن قصدَ الروايةْ

إنما تلك الحكايةُ مثلما الراوي وحيدةْ ...........

*******

موسم ٌ للموتِ لا ...

مدخل ٌ للعوسج ِالبري ِّ لا

مدخلٌ للشوك ِ لا

مثلما لا للحصارْ

لن تمرَّ على الجدارْ

فانشطرْ

واندثرْ

لا مجالَ للاختيارْ

مثلما لا للخطايا والصَّغار ْ

إنها اللغةُ الوحيدة ُ ُتخْتَصَر ْ

أيها الصبّار ُ

وحينما حدثت المواجهة المتوقعة وانفجرت الانتفاضة من جديد بعد فترة طويلة من المخاض كانت حقا هي " الولادة الجديدة" كانت هي البوصلة التي حاول الواقع أن يؤثر على مجالها المغناطيسي لحرفها قليلا أو تأخير مؤشرها ، نعم كانت اللحظة التي تنسجم مع أفق النص الحقيقي فتم مباشرة الإمساك باللحظة لأنها أكبر من كل المحاولات والرهانات وهي المعيد الذي أعاد تشكيل اللوحة ليس فقط على صعيد فلسطين بل أبعد من ذلك بكثير ومن هذا المنطلق وجدت قصائد الانتفاضة مساحة مميزة في الوعي والوجدان والقلب قبل أن تجده على الورق أو على الشبكة وأفردت لتدلل على هذه الميزة وهذه الخصوصية وصحيح أنه يوجد أكثر من ثلاثين نصا كتب من واقع هذا الحدث سواء أكانت باللغة العربية أم حتى نصوصا كتبت باللغة الإنجليزية وتخمّرت تلك النصوص مع كل جزء في هذه الملحمة ، مع كل العناصر مع أطفال فلسطين الدرة وإيمان حجو وفارس عودة وغيرهم كثير ، مع المرأة الفلسطينية سواء صباياها مثل أريج في الخليل التي كتب لها نص باللغة الإنجليزية أم المرأة الفلسطينية بكل ملامحها وأدوارها كما في قصيدة " إنها الأنثى الوحيدة " وحتى للأبطال المقاتلين والأسرى والشهداء ، لتراب فلسطين المقاتل ولفجرها المقاوم وحتى المشهد الرائع الخلاق عبر الاستشهاديين والاستشهاديات الخالقات مجدا مميزا من وفاء وآيات وعندليب ودارين تألم النص باستشهاد القادة من فيصل الحسيني و القائد الضمير أبو علي مصطفى وحتى هذه التفاصيل التي عبرت بنا الانتفاضة فوق جسرها الشامخ في نابلس وجنين ، جنين الملحمة التي هي بحق العنفوان المحلِّق وقدم النص جنين غراد التي ستفتح حتما الباب إلى مشارف الحلم .

قال لي بعض الأصدقاء إن النص لديك يسجِّل الانتفاضة وهو نص الانتفاضة وأنت شاعر الانتفاضة وأنا يشرفني قولهم ولكني أصرّ على أن شاعر الانتفاضة هو الشعب الملتحم الملتهب الذي يصنع هذه الانتفاضة ويصنع معها كل عظمتها بما فيه النص المنتفض ، أرجو أن أكون قد أوضحت لك ما تريدين معرفته .

س10: هل توافق على أن النص قد غاب عن المشهد العربي وخاصة الفلسطيني هذه الأيام ؟ وما السبب ؟

- للأسف هذه حسرة كبيرة ، باستثناء نصوص عربية قليلة وفدت علينا ورأيناها في بداية الانتفاضة فإن هنالك نوع من الاختفاء الغريب غير المبرر في نظري إطلاقا ، إن هذه المرحلة كان يجب أن تشهد قياما حقيقيا وجلجلة حقيقية على هذا الصعيد ولكن الواقع القائم يشير إلى عكس ذلك ، لن أعقِّب كثيرا هنا ولكني أقول أن النص الفلسطيني لا عذر له إطلاقا إن لم يقم كالعنقاء وخاصة في هذا المفصل النهائي والذي لا مفصل بعده ، لا بد من وقفة ولا بد من واقف ....

س11: كلمة ختامية تود توجيهها ...؟

- الكلمة الختامية هنا هي من وحي النص الأخير الذي كتبته مؤخرا من ضمن سلسلة النصوص النثرية "على هامش الحصار " وهي تقول أن النص المطلوب اليوم عربيا من المثقف العربي يجب أن يكون بمستوى الحدث وأكبر من واقع سايكس بيكو وأعظم من كل ما يعترض طريق ولادته ، ذلك أن الحقيقة الآن أن ما فرضته الأحداث الأخيرة فتح زاوية الرؤيا على أوسع انفراج ممكن وصارت معه النتيجة أن البعد الإنساني الحر والطليق هو الطرف الذي يحق له بفخر وبشرف أن يحتل مكانة الطليعة بغض النظر عن عقيدته وجنسه ولونه ولغته طالما أنه يجسِّد المعاني النبيلة في المواجهة ، هذا إذا ما أراد هذا المبدع العربي أن يلتحق بهذه النبوة الجديدة وألا يحكم على نفسه كما نصه بأن يسقط في الفراغ خارج دائرة القيمة والولادة الحقيقية التي فرضتها فلسطين .

الرد على هذا المقال

نسخة من المقال للطباعة نسخة للطباعة
| حقوق المادة محفوظة ويمكن الاقتباس والنقل مع ذكر المصدر|