{env}

الصفحة الأساسية > حوارات > حوار مع اللبدي لنضال نجار في الحقائق الدولية

.

حوار مع اللبدي لنضال نجار في الحقائق الدولية

الاثنين 13 نيسان (أبريل) 2015

أجرى الحوار: الشاعرة نضال نجار - سوريا

[(في ليلةِ عرسِ الإشراق

يعلو.شغبُ قصائدكَ التي

تداهمُ الحلمَ من ظلاله.......................
)]

- بقي الحصان وحيدا ً ولم تحضر العربات .. لن نستقيل من الحلم والواقع ما لم نستطع تغييره بعد....
- الشلل ينتج أحيانا عن حركة غير منضبطة ......والجيل السابق أورثنا تركة ثقيلة ......
- أمتلك اللغة والوزن وتمتلكني الصور والرموز........
- المثقفون الحالمون قلة ...ويستشري بينهم "سارس" انقراضي.....
- الحداثة عربياً رأيناها لكن ما بعدها غير موجود أصلا.....
- الأنثى تضرب أنوثتها بيديها ....
- فلسطين تنطق على ألسنتنا .....
- القلق المجاني سوط على ظهر الشاعر ....
- لحظة النص طقوس مختارة أو طارئة ...ونص اللحظة احتمالات...
- قوانين الشاعرية عندي حلت معضلة موقفي من قصيدة النثر..... وقصيدة النثر تقفز فوق الهاوية..
- قوانين قصيدة النثر هوائية لم تتشكل بعد ...نص نثري لشاعر مغمور يجتاز ونصوص لأدونيس لا تجتاز.
- قصيدة النثر تجارب في البيت الشعري أساسا ولا علاقة لها بالبيت الآخر..
- آخر ما أنجزت مجموعة انتفاضيات ......

JPEG - 10.3 كيلوبايت

* هل يكتب الشاعر أيمن بحثاً عن الزمن الضائع؟ وهل من جدليةٍ شعريةٍ بين الحلم والواقع في قصائدكَ؟..

- سؤال مشتبكٌ ومتشابكٌ أيضا ولكنْ على جوانبه بصيص ضوء مما يمكن أن يتيح لنا أن نخلص إلى اعتماده على الأقل محاولة إجابة ممكنة ، ذلك أن الأبعاد الحقيقية للإجابة لا تزال مشتبكة مع الزمن الذي يدفع قاطرة وعربات التجربة التي مازالت مستمرة ، ولذا فإن المنجز َمن هذه الأبعاد هو بالضبط ما يمكن وصفه بالقناعة الكامنة في أن الكتابة هي أولا للإنسان المتوقع والمفترَض والذي يستطيع أن يُحيل الزمن كما يريد ، وُيحيلَ أيضا بذات المسار الحلمَ إلى واقع طالما استقرت الإرادة على وعيٍ موجب وضمير نظيف واحترام حقيقي للذات المحاوِلة وللذات المؤمنة بشرف وأمانة الحرف والكتابة.

في موقعي الخاص كان هذا السؤال هو فعلا هاجسا وكذلك كانت عملية تكثيف إضاءة حول الجواب من خلال جملة واحدة وضعتها هناك تقول "نكتب لكل من لا يزال يجزم بأن للكتابة ضرورة وبأن الشمس تعني أكثر من وهجها وبأن الريح تمشي أكثر من خطواتها وبأن الواقع ما لم نستطع تغييره بعد" ، نعم هذا ما أراه حتى الساعة لأكون أمينا مع سؤالك ، الواقع هو ما لم نستطع تغييره بعد وهذه هي جدلية حقيقية وليست أمنيةً فقط ، فكلما تضاعفت المحاولة في اشتهاء الحلم وتقريره كلما اقترب الواقع أكثر ليحلَّ محل الحلم الذي أصبح واقعا ومنجزا حقيقيا وهكذا نستمر في الحلم الواقع دون أن نتعب منهما ....... سؤال القصيدة الأخيرة ليس يأسا ، أعني قصيدة " في دمي " ولعلك تحيلين السؤال إليها وربما منه آثرت الانطلاق ، حسنا ً إذن هو سؤال محال للسؤال بذات القصيدة والذي صرخ ليس سائلاً بقدر ما هو معاتب " هل نستقيل من الحلم ؟ " ولعلك أيضا وجدت إجابته الصافية أيضا في ذات القصيدة مباشرة ودون تأخير ، "بلا" نعم تلك اللا التي أطلقتها قبل فترة وجيزة من خلال المانفستو القصيدة " مانفستو لا " والتي تؤكد لن نستقيل من الحلم ، لن نستقيل من الواقع الذي ينتظرنا عبر الحلم الذي هو الزمن المستقبل وليس الزمن الماضي ولا هو بالضائع بدليل أنه ممكن ومتواجد أيضا رغم أن الاستجابة لهذا المانفستو الأدبي والثقافي كانت ضعيفة ويبدو للأسف دونما عربات وبقي الحصان وحيدا.

* إلامَ يعود برأيكَ جمود الحركة الثقافية العربية؟ و كيف يُمكن مواجهة التحديات ؟..

- نعم ، حقيقة ً هناك أكثر من جمود ، وربما كلمة جمود لوصف هذه الأخيرة تكاد تنتهي نوعا من المكياج المجاني ربما لتخفيف عبء هول الواقع على النفس ، هذا الواقع بالمعنى الجمادي للقضية والذي أفضى حقيقة ً إلى مرض عضال أقرب ما يكون إلى الشلل منه إلى الجمود الذي وصفته ، هذه ليست تشاؤمية وليست شكوى كيدية إطلاقا ، هي للأسف حقيقة ورثناها عن جيل سبقنا بقليل ونحن نتحدث هنا عن جيل صنع لنا بعضا من آفاق ولكن في ذات الوقت أغرقنا بميراث ثقيل من الهزائم والانكسارات أفضت أحيانا إلى استلاب مطبق وأحيانا أخرى إلى عبثية وتجريبية غير علمية وحتى في طريقتها وأسلوبها هي أبعد ما تكون عن التقنية والعلمية ولو ادعت بسوى ذلك ، وهذا هو العامل الأول الذي أراه من أهم أسباب الشلل القائم ، يعني طبيعة هذا الموروث الواصل أولا كانت طبيعة من نوع خاص .

هناك أمراض كثيرة ساهمت معا للأسف بالوصول إلى هذه الحال وليست قاصرة على جنْي يدي حاملي همّ الثقافة والمتحدثين باسمها أو الطامحين لها والمفترضين والمفروضين عليها ، بل تجوز إلى أبعد منهم وتتداخل معا في تنافس عجيب للوصول إلى فوضى مطلقة وللتدمير والعبث قد أدت إلى هذا الشلل ، الشلل أحيانا ينتج عن حركة غير منضبطة في اتجاهات متضادة وأحيانا دوران موهوم في الفراغ تكون محصلة العزم بعدها صفرا وشللا مقيما ، لا يفهمنَّ أحد أن الشلل الحاصل جراء وناتج بيدر اليوم الآني ، لا هو نتاج حركة عنيفة غير منجِزة ولا محققة عبر ثلاثين عاما كاملة وهذا هو العامل الثاني .

أما العامل الثالث فهو معقّد وميكانيكي إلى حد كبير في طبيعته ولكن تلبَّسته ُ كلُّ النوازع الإنسانية الموغلة في النفي كما الغرائز السلبية وللأسف الشديدين ، في هذا الجو جرت عملية في غاية الأهمية تأثرت بذلك ، نعم استلام وتسليم منجز الثقافة بين هذين الجيلين لم يكن سلسا ولا كان حتى طبيعيا مثلما انتقلت وتنوقلت سابقا هذه الراية بين أيدي حماة الثقافة العربية عبر الأجيال "وللدقة نعمم باستثناءات معدودة " وعبر مسيرتها الطويلة والنتيجة كانت ما نراه حاليا ، شكوك كانت متبادلة أولا بين الطرفين وتأزَّمت أحيانا إلى ما يشبه عدم الثقة وربما أدت إلى معارك طاحنة فيما بعد وهكذا فقدت المسيرة الزخم الصحيح وفقدت أيضا جزءا من المرجعية المنطقية لتراث سابق عبر فقدان احترام عند البعض وهو منتهى التدميرية الكامنة ولأي شيء ؟ للأسف الشديد للتراث ذاته وإن بدا في صورة مناكفة ومشاكسة تحاول أن ترى فقط الشخوص وتسقط عليهم سخطها من قبل بعض من أبناء الجيل الوارث الذي نشاهد ونحيا أزمته الحالية ، عندنا من توقع أن الإنجاز يبدأ بالقطيعة التامة مع التراث وأن معنى الوصول يكون بالهدم أولا قبل البناء على ما صلحَ مما فات .

طبعا هناك أسباب أخرى كان وجودها بنتيجة مباشرة من هذه العوامل الثلاث التي تناولناها ، يعني غياب دور النقد السليم والحركة النقدية النقية والشجاعة في أخذ دورها ، شيوع الشللية والقطرية وآفات التجزئة والتهميش والإقصاء ، السلبية أمام ثقافة الآخر سواء من حيث الاستلاب عند الاشتباك أم الرفض المطلق غير المبرر أصلا للقرب منها ، ثم تقدم منابر غير ثقافية تمارس سحلِ للثقافة باسم الثقافة وجلُّ ما تقدمه من مواد مسخ أقرب إلى الإفرازات الضارة منها إلى الناتج الممكن حتى التعامل معه وفق أي اعتبار تخفيفي ممكن ، وللأسف الشديد بعضها يمتطي ساحة تغطية كبيرة عبر إعلام مخبول أو مراهق ، ضعف المقومات المادية أمام المحاولات الجادة للنهوض عند من لديهم برامج ما في هذا المجال بينما من جهة أخرى فقدان الرغبة بالتضحية وجدوى الحلم بالتغيير عند بعض آخر من ذات الفئة المؤهلة لذلك ، مؤثرات التنمية التظاهرية على المجتمعات العربية والأداء العربي بعامة ، الحرب على العقل العربي لإجهاض ما يُتوقع من خطورة لهذا العقل إن ترك وشأنه وهنا نلمح أثر العامل الخارجي بقوة دون ريبة ، وهناك الكثير مما يمكن تلمسه أيضا وإن بأثر أقل شأنا.

وأما مواجهة التحديات فتكمن في صياغة برنامج شامل عربي جدي وحقيقي مسلّح بالرغبة الحقيقية ومنفذ عبر قوى تمثّل هذه الرغبة وتضع هذا البرنامج ويوضع بتصرفها المقومات المادية اللازمة وتذلل أمامها الصعوبات المفتعلة في كثير من الأحيان من نمط البيروقراطيات والروتين والرقابة والرقباء والتنافسات الجهوية والقطرية لمجرد الشعارات والصيام عن التفكير والفتوى والبديل طبعا تكفير الجميع أو تخوينهم أو تخويفهم كحد أدنى وكذلك التسويف والانتظار لسبب ومن دون سبب وأحيانا إنشاء برامج ظاهرية استهلاكية تعمل عمل المورفين المخدر ولا تجري جراحة تامة شافيةً مرة واحدة بدل الجرعات المقطّعة ، هناك الكثير مما لو دققنا النظر لوجدناه شاخصا قبيحا أمامنا ، لا بد من مناخ سليم فيه شعور بالمسؤولية التامة من المجتمع العربي كله ، يعني باختصار لا بد من واقف ولا بد من واقفين وحتما النتيجة هي وقوف من جديد.

* ميكانيزم القصيدة( الصورة/ الرمز/ الاصطلاحات) ماذا يعني ذلك للشاعر أيمن اللبدي؟..

- ميكانيزم القصيدة هي عندي أولا الفعل الشعري ذاته وليس المفعول الشعري الذي أدواته هي ما وصفت آنفاً في السؤال هنا ، القصيدة نحياها مرتين مرة تامة في وجدان الشاعر وفكره ومرة على البياض الورقي كلما تكررت قراءتها بعد كتابتها ، يمكن لهذا الفعل الشعري الذي أتحدث عنه هنا أن يكون أي شيء وكل شيء لكنه لن يكون في أي وقت هو الشكل النهائي الذي نراه عبر المفعول الشعري والنص المتلألئ على الورق أو في الأسماع هذا من جهة الميكانيزم الذي نتحدث عن تكوّناته وتضاعيفه ، والمدهش أن هذا الميكانيزم وفق هذا المفهوم بكر لا يمكن أن يستعاد حتى بعد الكتابة على الورق وربما كان في ذهن أجدادنا مثل ذلك عند وصفهم المعاني " بالمعاني البكر" أو نحواً منه .

الصورة والرمز والاصطلاحات وغيرها حتى لا نطيل ، يوجد بينها ما يجمع وهو كونها موجودات نسبية فاعلة في مركّب القصيدة من جنس الأدوات ومن فئة عناصر التعبير ، ودققي أني قلت أنها نسبية لأن المزيج الأولي الناشئ فيزيائيا عنها عند حدوث الخليط الشعري يُحدد لاحقا عبر المركّب الكيميائي الذي نتج عن تفاعلها ولا تستخدم القصيدة غير ما هو ضروري للمزيج الأنسب حتى ولو أغرق الخليط بمليون صورة فالمركّب لن يستخدم إلا ما يريد فقط لإنتاجه هو وعلى الشرط الكيميائي للتفاعل ، بمعنى ما تحتاجه القصيدة ذاتها والأمر هوَ هوَ على باقي الأدوات الفنية العلوية في القصيدة ، وهو طبعا غير ما يتطلبه الوضع من عناصر البناء السفلية من إيقاع ولغة فالأمر هناك مختلف.

حسنا مقتضى هذا أنا لا نسعى لرمز بنسبة ما ولا نسعى لصور ما ولا نسعى لعنصرٍ بذاته على نحو مقصود ومستبق في الذهن وإلا لكان المزيج الذي نتكلم عنه مزيجا مفتعلا ومرهقا يعسر ولادة القصيدة ويورثها تشوهات عملية الخلق لاحقا إن ولدت مما يعجّل تاليا في موتها شئنا أم أبينا هذا حقيقة هو فعل مستشعرين وليس فعل شعراء وإن كان لهم ما كان فالقصيدة دائما ابنة منفردة وإن كان لها أخوة بعدد شعر رأسها ، أما الخلق الطبيعي فهو وحده القابل لإنتاج القصيدة الخالدة المستمرة تلك التي يحركنا مفعولها الشعري في كل زمان وأوان كلما اعترض طريق وجداننا عبر سمعنا أو بصرنا حتى أبد الآبدين وإلى أن يرث الله الأمر ومنه اللسان والسمع والبصر.

بما أنك تريدين عندي أنا في قصائدي ، دعيني أقول لك باختصار أني أمتلك اللغة والوزن مثلا من عناصر البناء السفلي والتحتاني بينما الصور والرموز وباقي العناصر العلوية هي التي تمتلكني في النهاية وتقدِّر للقصيدة كيف تكون

* ثقافة الوقت/وقت الثقافة ، أين يعيش المثقف العربي برأيكَ؟..

- ثقافة الوقت الآني هي ثقافة انتهازية بكل معنى الكلمة خاصة إن أحيلت بالتمام إلى الوقت السلبي بمعنى الوقت المهزوم والوقت المأزوم والوقت الذي يُطلب فيه أن تكون الثقافة على نمط الهامبرجر وعلى نمط المنابر البائعة لأمانتها والسائرة خلف أدوار مارستها ومارسها بعض من البشر منذ فجر التاريخ ولن أستخدم مفردة جارحة هنا لوصفهم أو وصف ما يفعلون ، نعم وفق هذا المنظور هي ليست ثقافة أصلا ولن تنجح في أن تكون ثقافة حتى ولو دُفعت دفعا عبر هذه المنابر والأدوات وحتى لو مورست تحت ضغوط ووجوه عدة فهي مرفوضة وللأسف بهذا المعنى تجدين بعضا من مُدعي الثقافة يعيشونها تماما رغم أنها سلاسل عبودية ورغم أنها المواكب المساقة بالسياط أمام قيصر الوقت .

أما إن أُحيلَ المعنى إلى الوقت المطلق بمعنى مواجهة التحديات عند تجبُّرها أمام المسيرة الثقافية ومجابهة هذه التحديات بطبيعتها الحضارية ونشأتها الزمكانية فهذا للأسف خارج المجال الحيوي الذي يعبره واقع عدد كبير من المثقفين العرب اليوم وهم يكتفون ببدعة الحياد الإيجابي المفضية لاحقا إلى الانعزالية المحبَطة والصوفية الزهدية المذمومة ومن ثم إلى إنتاج هامش أرحب لمن هم سماسرة الفهم الآخر وزبانية التلقين الآخر ومريديه طمعاً أو رهبة ً لا فرق بينهما ، ومن هو مستعد لفرض وجوده داخل المجال الحيوي هذا ولا زال حالما مؤمنا هم قليل ويستشري بينهم "سارس" انقراضي إن جاز التعبير .

أما وقت الثقافة فأرى المعنى يحال إلى كثير من الرغد والرفاهة يعانق للأسف في أثره ونتيجته السالبة أثر ما ينجزه السلبيون والهدامون في ثقافة الوقت وكلٌ منهم على طريقته ، بيد أني لن أنكر أن جزءا من مثقفي العرب الأنقياء النبلاء وآخر سلالة الفرسان يفردون وقتا منتزعا عبر دورهم التنويري والمقاوم لتحديات الثقافة وبالتالي صناعة وقت للثقافة في هذا المناخ الاستهلاكي الأناني المأزوم على كل المستويات ويفرضون بإرادتهم كما حلمهم نوعا جديداً من ثقافة وقتهم هم وقتهم الذي يحددونه رغم كل العوامل الدافعة إلى السقوط .

* ما الذي يُميِّز رؤيا الحداثة عن رؤيا ما بعد الحداثة؟..

- سأبدأ باعتبار أنك تحيلين الحداثة إلى مرجعية معنى الزمنية بشكل عام وبالتالي تقصدين المعاصرة وما بعدها ولا تقصدين الحداثة بالمعنى الاصطلاحي الأدبي المتكثف فقط في فترة زمنية محددة وحول أدب بعينه هو الأدب الغربي ومتعلقاته وكما اصطلح عليه النقاد أنفسهم ، ويعني أيضا أنا لن نعتبر أنك بصدد جذبنا لما أثير حول الحداثة باعتبارها مرحلة تاريخية من جهة أخرى أساسا وجملة الحديث الطويل حول حلول الانفجار أمام الكلاسيكية في كل شيء على الطريقة الديالكتيكية ، ثم ما تلا ذلك من حلول ما بعد الحداثة عبر دعوتنا الآن لمزيد من التنظير لتعليل ومراقبة حلول فكرة السوق مكان المجتمع وبالتالي ما بعد الحداثة ومن ثم ما رافق كلا منهما من مواصفات خاصة ألقت بظلالها على كل المفاهيم والأفكار والقيم وطبعا بضمنها الأدب ، وكما أذكر فإن هناك من أشار في هذا الصدد مثلا إلى تغيرين كبيرين أولهما غياب الهيمنة الأوروبية على العالم وطبعا حلت الأمريكية وتطور وسائل الإعلام عبر الفضائيات والإنترنت وبالتالي وصول التنوع إلى غايته القصوى عبر صوت كل الفئات حتى الهامشي منها في أي مجتمع وأثر ذلك وأضاف طبعا آخرون مثلا الحركة النسوية وتفاعلها ، مثل هذا المدخل المفصَّل على قياس الكولونيالية وما بعدها رديفا للحداثة والإمبريالية وما بعدها رديفا لما بعد الحداثة وربما وصولا إلى رؤيا بعض من منظري الغرور والجنون الفكري من أمثال فرانسيس فوكوياما ونهاية التاريخ المزعومة .

لا ، هنا أعتقد أن من الأفضل أن نعود إلى سؤالك الخاص بالحركة الثقافية وجمودها في الجواب عما يماس الحالة العربية أولا باعتبارها أكثر قربا لمتطلباتنا نحن ومميزاتنا نحن العرب من جهة وهو الأولى بالاجتهاد فيه من جهة أخرى ، وحتى لا يكون هناك من شبهة انحياز أو شبهة تحيّز فإن الحداثة العربية كانت على أثر ٍ من دبر وأدركت من الحداثة ما تحقّق لها به ميزة الاحتواء القلِق أفضى إلى هضم عسير ولكن في النهاية هناك هضم بعد الاصطدام المدوي، حدث هذا فعلاً وتشكَّلت على الأقل بعضا من الآفاق التي تحدثنا عنها والتي فتحها ذلك الجيل وبالتالي أمكن تثمير رؤيا ما وبكلّ علاتها كانت رؤيا طبيعية بمعنى أنها تحققت عبر مسار فعلي حقيقي بغض النظر عن فعاليات المسار وميكانيكية التكوين لهذه الرؤيا ، وإضافة إلى الطبيعية الخالصة وغير المبتسرة في تكوّنها ، وعدا عن ذلك فقد كانت الميزة الأساس لهذه الرؤيا في نظري وظني هو شهوة المحاولة و الرغبة الجامحة في الحركة والحلم الجميل في استكناه المستقبل والتموضع في موقع مناسب من كل هذا ، وهي الرؤيا التي حفّزت وكانت خلف كثير من الإنجازات والفضائل بيد أن ما شاب المسيرة وشانها أيضا ساهم في التقليل من هذا المولود الناجز شأناً وأثراً بالمجمل مما ساهم تاليا مع العوامل الأخرى في إيقاف نموه القسري عند هذا الحد.

أما التطبيق العربي على رؤيا ما بعد الحداثة فهي رؤيا الشلل، وهل من يكون مشلولا ينفعه النظر وتنفعه الرؤيا ؟ فليرَ كما يريد وليعد هناك أي للخلف إن شاء أو ليقفز أماما أو ليسلّم كل ما لديه من متاع إذ ما عاد يفيده حتى لو ألغى وجوده بالمطلق أمام واقع استسلامه النهائي وأمام حقيقية ذلك الوحش المستبد المفترس الذي حتى بعد التهامه لن يكفيه غلواً في المكابرة والصلف والغرور ما حقق عبر هذا الالتهام ، أين هي ما بعد الحداثة عندنا ؟ إذا لم نكن قد أنجزنا الحداثة كما يجب ولا وظفنا حتى المنجز منها توظيفا صحيحا ، فكيف لنا أن نطمح بما هو أبعد من الحداثة ؟

طبعا إن ما ينطبق على الوضع العربي هو وضع معظم ثقافات ما كانوا دعوه يوما بالعالم الثالث ، اليوم ما بعد الحداثة دوليا وكونيا تقتضي حسب ما يريده من يملك السطوة هو العبودية لكل العالم باستثنائه وطبعا العبودية له هو ، هذا ملخص لما يراد ببعد ما وراء الحداثة على الطريقة الأمريكية التي حتى لا يمكنها أن تسمح لهامش بسيط من الرؤيا للعالم دونها وهذا للأسف أصبح الحقيقة الثابتة مهما تزاحمت نظريات وتفسيرات أخرى في المكان الذي ما عاد يتسع .

اعتقد أن جوابي المختصر على ما تقدم هو لن يزيد عن جملة واحدة في شأن الإسقاط العربي والجانب العربي من الموضوع وهي أن ميزة رؤيا الحداثة العربية أننا تمكنا على الأقل من رؤيتها ، أما ما بعد الحداثة العربية فهي غير موجودة أصلا فكيف يكون لها ميزات ؟

* الأنثى؛ هل هي الظل و/أو الضوء ؟ أم الحلم المفقود و/أو الموجود؟..

- الأنثى هي كلّ ما وصفت معا بمعنى الأنثوية المتصالحة مع معطياتها ومواهبها ودورها وقيمتها وأهليتها كونيا وإنسانيا وبالتالي هي كلّ ما يتحقق به استمرار الحياة على النحو السليم والمنطقي والخلاق إن تطابق ذلك فيها ومنها ، بمعنى هي ستكون حقيقة ساطعة تامة وحلم جميل محفّز للحياة ودوران عجلاتها أيضا .

لكن الأنثى في كثير من الأحيان لا تكون وللأسف الشديد على هذا النحو من الاكتمالية المأمولة وهنا تدخل التقطيعات فيم ذكرت وتكون أحيانا هي الضوء ناقص الظل أو الظل ناقص الضوء ، وأحيانا الحلم ناقص الوجود أو قابل الوجود وأحيانا أخرى الحلم المفقود تماما ، لماذا ينشأ ذلك ؟ على الأغلب نتيجة متوقعة لخلل ما في إنجاز هذا التصالح المطلق مع ما تقدم وبالتالي تبدأ عوامل التشظية والتصنيف دورها وشغلها في الكينونة الأنثوية ، هذا الفعل غير المتصالح تقف خلفه عوامل كثيرة مؤكدة بعضها جني يد الذكور أنفسهم الذين سيدفعون الثمن آجلا أم عاجلا لهذا الفعل الأليم الذي مارسوه ، وبعضها عوامل تعود إلى الأنثى ذاتها ، ولكن اللافت أن العوامل التي سلّطت الذكور أصبحت في تناقص مضطرد بينما حلت العوامل التي ساقتها الأنثى ضد أنثويتها محل هذه المتناقصة والأعجب أن الأنثى غالت مؤخرا في ضرب أنثويتها بيدها ولا أفهم لماذا ؟ فعلت ذلك من خلال القبول في كثير من الأحيان طواعية بالتراجع والانسحاب إلى ركن بعيد أن انتزعت هذا الحق أخواتها السابقات ، فعلت ذلك من خلال الركون إلى نزاعات وسفسطة فارغة بدل أن تحل ّ أولوياتها وتكمل النضال في مسيرة الحركة الأنثوية ، فعلت جزءا منه احيانا عبر القبول بالتحول إلى سلعة جديدة دوليا في منابر ومواقع مستحدثة ، فعلت ذلك من خلال عدم التصدي لأكبر مأساة إنسانية في نظري وهي تجارة الرقيق الناعم الأبيض في القرن الحالي وأعني التصدي الحقيقي الذي يوقفه وليس مجرد التصدي الظاهري السطحي ، كم امرأة تحتل الموقع الأول في عدة دول ؟ ماذا فعلن لمسيرتهن النسوية بعد ذلك ....الكلام كثير وأتركه لمناسبات أخرى.

نحن تناولنا الأنثى المطلق أما الأنثى الخاص فهي تحال إلى خصوصية صلتها ، أنا شخصيا أجد هذه الأنثى الخاص تامة على الحد الذي يؤنس نفسي ويشبع تبادلاتي دون أزمة ، الأنثى الخاص هي ضوء القصيدة وهي ظلال الوطن ، هي حلم موجود وقائم وتوارد مستقرّ وملهم ومحفّز وصانع بي أكثر مما يمكن لي استيعابه تماما ، ولذا لا زلت أحمد حظي الأنثوي إن شئت وأقيم له صلاة الشكر المستديم ، لست قلقا من هذا الركن وإنما قلقي الحقيقي يقبع حول الأنثى المطلق والذي يتفتت قلبي حزنا وغما لوضعه وما آل إليه حتى الساعة .

* ذاكرة الأرض التي سطعتْ في قصائدكَ، هل كان نتيجة التقاء عناصر التكوين الأربعة ؟..أم للشاعر رأيٌ آخر؟..

- عناصر التكوين التي أشرت هي فعلا بالتقائها في كل مكان تؤسس لذاكرة فعالة حقا ولكن حينما تكون الأرض فلسطين يصبح هناك أكثر من عناصر التكوين الأربعة ، فلسطين القضية وفلسطين الزمان وفلسطين الخلود وفلسطين أشلاء أصدقائي وأحبتي مثلما طفولتي وشبابي واغترابي هنا تتنازل بالتالي كل العناصر الاعتيادية بوصفها وتوصيفها العادي والممكن أمام هذه الخصوصية المسماة فلسطين .

الفرق بين صورة الخصوصية هنا وبين أي صورة ممكن أن تتحقق في مكان آخر هو نوع من التبادلية العجيبة ، إنها تشكل ذاكرة منقادة إلى اتجاهين منك إليها ومنها إليك ، الأرض فلسطين لديها أيضا ذاكرتها تجاه إنسانها وتجاه شاعرها وتجاه قصيدتها ، إنها تطارد هذه الذاكرة مهما ظن من بخارج هذه الصورة الظنون حول الانفلات ، أقول لك ماذا يريد الفلسطيني في أي مكان في العالم اليوم والساعة لو سألته ، بسيطة أقول لك الآن ماذا سيقول لك دون أي عناء أو تفكير أو لحظة تردد واحدة ، سيجيبك فلسطين ، ترى هل تنطق فلسطين على لسانه ؟

الأرض المعجونة في كل ملي مكان من وجداننا وأجسادنا هي التي تصنع لنا ذاكرتنا ولا نصنع لها نحن إلا أن نكون كما تريد ، ترى هل استطعت أن أجيبك على سؤالك ؟ ربما من الأفضل أن أدع القصائد هي التي تتحدث بلسانها أفضل مني واقدر على الإجابة .

* القلق؛يُخرجُ الشِعر عن الشِعر إلى الشِعر ليُمارسَ غوايةَ الحضور الميتائيّ..ما رأيك؟..

- القلق مشروع على نحو خاص عند الفنان الحقيقي ولكن بضابط ، أنا لا أرى أن يترك مفعما بالانفلاتية والتناثرية وإلا لاستحال سوطا بدل أن يكون عاملا أصيلا محركا ومحفّزا ، وتحت ضغط السوطية هذه يصبح القلق بوجه آخر مختلف ويمحور آثار أبعد ما تكون عن التخليق الإبداعي وهنا طبعا يصبح المجال خصبا بشكل أو بآخر لممارسة شتى أنواع الغواية سواء أكانت ميتائية أو وجودية أو برزخية أو ما شئت لا يهم الحالة التي سيكون عليها هذا الحضور لأن الأهم هو ما سينتجه لاحقا وما سيشكّله سلبا أم إيجابا في العملية الشعرية بعامة وأخيرا سلطته على النص ومنتج النص ولاحقا وتاليا على متلقي النص.

إذن فالقلق المنضبط هو عامل إيجابي وعامل ذو أثر فعّال في استمرارية الإبداع واستمرارية النتاج المميز على كل المستويات وهو وحده القادر على ضمان ميكانيزم الإبداع المستمر طالما استمر على هذه الصفة وعلى هذه الحالة وغير ذلك يفضي إلى ميكانيزم مختلف تماما فالقلق المجاني سوط على ظهر الشاعر ، أذكر أن أهم صفة في الكون هي الميل نحو الفوضى لتخفيف كاهل مقتضيات الطاقة وهذا مفهوم الانتروبي حسب الكيمياء الفيزيائية الحرارية يصلح تماما لتطبيقه هنا وفق مفهوم محدد يقول بأن القلق المنضبط هو حالة تستدعي مقتضيات طاقة أعلى وجهداً مبذولاً للوصول إلى هذا الوضع المطلوب ، أما القلق المنفلت فهو دون جهد وبالتالي هو ميل طبيعي أصلا للكائنات ، وإذا كان ذلك صحيحا بقي أن نقول مباشرة أن وضع دون طاقة يعني وضع مفلس من الناحية الإنتاجية بينما وضع بطاقة هو وضع مبشّّر وقابل للترجمة إلى نتاج ، هذا هو الفرق في نظري وأملي أن لا أكون قد أثقلت عليكم .

* لحظة النص/ نص اللحظة؟ لو تُحدِّثنا عن هذه اللحظات ؟.

- لحظة النص هي لحظة كتابة تقرير عن الحالة الوجدانية التي انتهت مفاعيلها للتو ِّ واللحظة ، هي عبارة عن انسياب ذاتي لمخلص وجملة الناتج التفاعلي المتكون على بياض الورقة هذه هي باختصار لحظة النص ، طبعاً ستكون مثل هذه اللحظة ذات طقوس متعددة بتعدد الشعراء والمبدعين أنفسهم ، لا قانونَ عام لها على الإطلاق ، إنها لحظة خاصة ومخصوصة حتى أخمص قدميها وقد يمكنها أن تخرج مباشرة من حمام ساخن لتضع نفسها مباشرة أمام تيار هواء ثلجي ، أو العكس إنها ذات طقوس عجيبة ...من الشعراء من لا يستطيع طباعة تقريره هذا إلا على ورق ملون وباستخدام أقلام خاصة ، منهم من يضعها على ورقة علب السجائر ثم ينقلها لاحقا إلى بياض الورق المخملي ...منهم من يكتبها على بياض الشاشة الإليكترونية ومنهم من يلتزم بطقس واحد طيلة حياته ومنهم من يبدل ويغيّر ، أنا شخصيا مررت بكل هذه الأشكال وحتى في فترة ما لم يكن لدينا غير رأس قلم رصاص وجدران نكتب عليها حتى ننقلها تاليا ...المهم أنها طقوس مختارة أحيانا وأحيانا هي طقوس اضطرارية وطارئة .

نص اللحظة هذا يدخلنا مباشرة إلى عشرات ومئات النصوص اللحظية المتدفقة إلى ذهن الشاعر والمبدع ولكنها ليست كلها تمتلك "شدة العتبة " الكافية للنجاة ..... نص اللحظة احتمالات ، بعضها يذهب إلى ركن الاستيداع ريثما يقوى ساعده ربما في لحظة تمتلك ذات المقومات الانفعالية والاحتراقية حتى تنجز نفسها وتتحول إلى لحظة النص ، وبعضها الآخر لا تقوى حتى غرف الاستيداع هذه على الترحيب بها فتفلتها إلى غرف أخرى فكرية أكثر منها شعرية لتنتج نصا غير شعري ربما رواية أو مقال ، لا يهم إنما ليس شعرا ...الفرق بين نص اللحظة الشعري وغير الشعري هو أن الأول يمتلك طاقة أعلى تؤهله لانتقال مباشر نحو مستويات متقدمة تفيض نصا سريعا أو مؤجلا المهم أنها تخرج شعرا ، أما الآخر فإنه لا يمتلك تلك المقومات الخاصة جدا مما يجعله بحاجة إلى عملية تزخيم وهذه العملية تنتج فقط على مدى أطول وتبقى متتابعة تماما مثل التفاعلات الانشطارية حتى تخرج على شكل رواية طويلة .

صحيح أن بعض اللحظات النصية يتم اختزانها كما أسلفنا أحيانا بقرار ذاتي وهي تقنية عالية لدى الشعراء وخاصة من وصلت شاعريته إلى مراحل دعوناها في مطالعتنا الأخيرة " الشعرية والشاعرية " مرحلة الشاعرية المنهجية ، ولكن على الأغلب هذه متميزة جدا ولذلك تكون حاملة في طياتها ولو أثرا بسيطا من إعادة الصناعة أو لنقل إعادة التماشي مع بكارتها ، ربما هي في سقفها الأعلى تهيء للنص الملحمي ولكن بشرط واحد هو دوام الاستقدام لها دون التعرض لما يربك من شحنات جديدة ، يعني باختصار انقطاع وظيفي متخصص على مفاعيل هذه الاستقدامات وهذا التماشي وهي عند هذا السقف النوعي تصبح أكثر من فريدة بل معدودة على الأصابع ولهذا فإن شعراء الملاحم هم قليلون جدا ومحدود عددهم في تاريخ الشعريات جميعا لهذه العوامل.

* كيف تنظر إلى نثر القصيدة؟..و ماهي آخر أعمالكَ؟..

- هنا تستوقفينني عند مفصل نوعي في الحديث معك ِ ، الحقيقة أن المسألة هامة وتستدعي حديثا مسؤولا ووافيا ، كنت قد أجريت مطالعة لقصيدة النثر العربي بشكل عام من معها ومن ضدها وما لها وما عليها وحاولت جهداً أن لا أظهر فيما بين هؤلاء وهؤلاء موقفا محدداً ، والسبب أني كنت بصدد القيام بمتابعة نقدية خاصة حول موضوع الشاعرية وكنت وضعت قصيدة النثر كما موضوعات أخرى مفصلا في هذه الدراسة حتى يكون موقفي العام منها مبنيا على نظرة مؤسسة على قواعد تخلص إليها هذه الدراسة أكثر من مجرد موقف انطباعي أو موقف وجهة نظر .

وحتى أعطيك فكرة عن دراسة الشعرية والشاعرية لكي نتمكن لاحقا من الوصول الى الموقف الذي هو ثمرة لهذه الدراسة التي أنجزنا الجزئين الأول والثاني منها ووضعناهما في موقعنا على الشبكة وبقي الجزء الأخير الذي آمل أن ننتهي منه قريبا ، دعيني ابدأ فأقول أن جملة الدرس النقدي العربي خصوصا كما وقفنا عليه وغير العربي مما أتيح لنا أن نقف عليه مترجما ينصب حول النص وعلمه المراد إقامته له وهو ما اتفق الجمهور على دعوته "بالشعرية " ، بينما في المقابل لا نجد إلا مواقف انطباعية عند العرب خصوصا وكادت توجز فقط في السؤال الكلاسيكي " أيهم أشعر ...؟ " وما يستتبعه ذلك بدءا بمصطبة عكاظ ومن اعتلاها من المحكمين النقاد ومرورا بالموازنات وأصحابها وانتهاءً بالطبقات وتصنيفاتها وتخصيص الشعراء لأنماط من الشعر بحسب الموضوع ، هذا ما وجدناه في المجمل وطبعا هي حتى في أواخر ما وصل إلينا نتيجة للتطور في العلوم الإنسانية مجرد تطبيقات سيكولوجية أو اجتماعية ولكن لا قوانين شعرية فيها ..!!!!.

والحقيقة أن هذا دفعنا إلى التوجه نحو الشاعر المبدع الأديب بالمتابعة من حيث هو البداية لأنه هو منشئ النص في النهاية وبالتالي الوقوف عند العملية الشعرية ذاتها عبره وكيف تنتقل قدرته الشعرية من خلال مراحل أسميناها المراحل الشاعرية منذ لحظة الاكتشاف والتفجير وحتى قمة المراحل التي دعوناها بالشاعرية المنهجية النقدية وهي في نظرنا أعلى مراحل الشاعرية القياسية ، وطبعا وقفنا عند مميزات هذه المراحل وجوانبها المتعددة بالعوامل التي تتأثر وتؤثّر بها ، في ظني أن أول ما حققته هذه الدراسة عدا عن كونها فيما نعلم أول دراسة في هذا المجال نتبنى الدعوة إلى تناولها والبحث فيها وهذه من خلال الحوار معك دعوة إلى كل الأخوة الشعراء والنقاد لذلك وحتى لا ما نع من ترجمتها لغير العربية لإشراك شعريات أخرى في النقاش هذا ، أنا لا أقول بأنها سالمة مقررة تماما ولكن أقول لنا شرف المحاولة والبداية لإنتاج قوانين شعرية تتيح وضع الشعراء عند مراتبهم بعلمية وليس بانطباعية أو انتهازية.

حسنا أعود إلى نثر القصيدة وهي إحدى القضايا التي وقفت أمام نظرية الشاعرية هذه لحل أزمتها حلا صحيحا ودقيقا ، لقد اتضح لنا أولا أنه لا بد من التمييز بين ثلاثة مفاصل أولاها من ينتج قصيدة النثر ؟ والثانية لماذا تنتج هذه القصيدة ؟ والثالثة ما مصير التجربة ؟

في الواقع أن قوانين الشاعرية حلّت عندي معضلة موقفي من قصيدة النثر فأنا لا أحب أن أكون ممن يأخذ المواقف مجاملة أو انطباعا مهما يكلفنا ذلك من تبعات ولذا فإن هذا الموقف الآن أصبح متسلحا بما نتج لدينا نتاجا بحثيا خالصا لا اتباع فيه ولا انتفاع يراد من إعلانه ، وإذا بدأنا بمن ينتج هذه القصيد ومن ينثر الشعر وعرضناها على قوانين الشاعرية وجدنا الجواب عند ثلاثة أصناف من الشعراء ينتجون هذه القصيدة وليسوا كلهم سواء على الإطلاق ، الصنف الأول منهم هو شاعر وفق مفهوم الشاعرية العامة وللاختصار هو مشروع لشاعر لم يكتمل مروره في مراحل التهيئة للشاعرية وهو بهذا متبع وليس مبتدع ، بمعنى أنه ينثر وليس أكثر وفي نثره شيء من آثار الشعر الزهيد وبذلك تكون الأغلبية الأعم من الشعراء وخاصة الشباب ممن نقرأ لهم آلاف النصوص هي محمولة على هذا النوع ، أما الصنف الثاني من الشعراء فهم شعراء تخطوا مرحلة الشاعرية اللغوية وأثناء دخولهم الشاعرية التصويرية استهوتهم كثيرا االصور الملونة وأدوات البناء العلوي فاختاروا الهروب إلى البناء العلوي مباشرة مع أول مخرج في الطريق وهم أنواع منهم من فعل ذلك اختيارا ورغبة بالتجربة ومنهم من فعلها ظنا منه سرعة الوصول في هذا السباق وهي فكرة انتهازية ومنهم من فعلها رهبة من المتابعة وثقلت عليهم وعلى كواهلهم المهمات المقبلة التي لا تتغير إن هم أتموا الطريق ذاته ، أما الصنف الأخير فهم شعراء وصلوا إلى مرحلة الشاعرية المنهجية فعلا وبالتالي انفتحت أمامهم مسالك قصيدة النثر على سبيل التجريبية أولا بحيث قاموا يوغلون في إعادة البناء من الأعلى للأسفل ، أي من الصورة إلى اللغة وهي عملية دقيقة تشبه تماما بناء قمته في الأسفل وقاعدته في الأعلى وقد رأيت على سبيل المثال واحدا كهذا في بلد غربي وطبعا هم متمكنون من كل الأدوات والعملية دقيقة للغاية وتحتاج خبرة وموهبة خاصة ، فإذا بها تنهض عندهم لونا مميزا وأخاذاً في الناجز منها فقط بينما غير الناجز مصاب بكساح شديد فلا هو امتلك الشعرية من باب اللون الجديد ولا هو أبقى على الشعرية من باب قصيدة السطر الشعري " الشعر الحر " فوقع في الهوة بين الجبلين ، ولكنهم شعراء وهذه مجرد محاولة فينهضون ويعيدون الكرة من جديد وهكذا حتى إذا تمكنوا من إنجاز عدد من النصوص التي تنجو من هذه الهوة كانت فيها فعلا نتائج تجربة مميزة وجديدة ، أي أن قصيدة النثر الحقيقية تقفز فوق الهاوية إن وصلت للطرف الثاني كانت كالخارج من سفينة نوح لأول مرة ممتعة ومميزة وإن سقطت تناثرت تماما ، والسؤال الهام كم عدد هذه النصوص الواصلة ؟ والجواب قليل وبالتالي ليس كل نصوص أدونيس أو الحاج أو من شئت قد وصل وبنفس الوقت لا يمنع ذلك من أن ينجح أحد من شعراء النثر من المتبعين في مرحلة الشاعرية التصويرية في أن يصل بنص أو بنصين ، هنا في قصيدة النثر مفاجئة تامة تتيح المجال وقوانينها الهوائية لم تتشكل علامات بعد وبالتالي هناك نص لشاعر نثري يجتاز بينما نصوص لأدونيس لا تجتاز ، إذن بالمجمل الخلاصة هي نتاج أولي ولكن لا يمنع أن التجربة مستمرة ومن الصعب إنجاز حكم نهائي حول ذلك .

الآن عرفنا من يُنتج نثر الشعر ويبقيه شعرا على نحو مخصوص ولكن لماذا يتم ذلك ؟ هل هو بعض ما ذهب إليه منظرون متحمسون على قاعدة الديالكتيك الجدلي وأن السطر الشعري حلَّ وجوبا محلَّ العمود وبالتالي فإن النثر الشعري سيحل محل السطر الشعري على اعتبار فجاجة النقض والنقيض ؟ حقيقة هذا غير صحيح إطلاقا لأن العمود لا زال باقيا ولا زال شعرا ، والسطر الشعري لا زال باقيا ولا زال شعرا وبالتالي فإن النقائض إن اعتبرت هكذا لا زالت قائمة وهو ضد الفكرة التي بدأوا بها !.....ثم إذا كان كذلك فإن النتيجة التي نخلص إليها وربما سيطرب لها البعض أن هذا النثر الشعري سيصبح عما قريب نقيضا يولد نقيضه وبعد تحطيم ما تبقى من لغة حسبما يرون فإن الناتج سيكون مهمهةً أو مأمأة أو أصواتا متقطعة تشبه إلى حد بعيد ما بدأ به الإنسان الأول قبل أن ينطق الشعر تاما يعني رموز وحركات تكون النقيض الذي يرث النثر الشعرية وهذه النتيجة هي طبعا تسيير وفق ملخص ما يريده القانون المستخدم وافتراضاته الأولية ، بيد أنها لن تكون تامة ً كذلك ، ما معنى ذلك ؟ معناه أن هذا الشكل متوقع فعلا وأنا شخصيا لا أستبعد وقوعه ولكن سيكون الثابت أن كل الأشكال التي ستخرج ستبقى كما هي بموقعها وبالتالي فإن الناتج النهائي هو تعايش هذه "الأضداد الموسومة " بهذا الاسم وليس توارثها واحداً للآخر كما يظن البعض ، لماذا لأن هذا هو قانون الأدب تعايش وانتخاب وليس تضاد وهدم ، ولذلك كانت قصة نثر الشعر نوعا من التجريب داخل البيت الشعري أساسا ويجب أن تبقى كذلك ولا علاقة لها بالبيت الآخر.

وكما قلت لك التجربة مفتوحة على كل الاحتمالات بيد أن شروط نجاحها تقتضي أولا استمرارها داخل البيت الشعري فإن خرجت انتهت ، وثانيا التزام المجربين الفهم الصحيح لها واستعدادهم لها والكف عن المساجلات العقيمة مع غيرهم من طاقة الإقصاء أو الاستعداء أو الاستعلاء والتركيز على تجاربهم ، وقيام نقد مدرسي سليم وأمين وشجاع وموازي يصاحب هذه التجارب ، ونصيحة خاصة هي الفرز الأمين منذ البدء حتى لا يعيب التجارب مراهقون أو مغامرون أو مستسهلون ففي النهاية من يدفع الثمن هي الجبهة الجادة نتيجة وجود هؤلاء.

أطلت عليك سيدتي بيد أن آخر ما سألت عن الأعمال هو هذه النظرية " الشاعرية " والتي حدثتك عن بعضها آنفاً حول الدرس النقدي وهي ما أطمح إلى إنهاء ما تبقى منه قريبا ، أما شعراً فقد أنهيت إفراد مجموعة " انتفاضيات " وهي المجموعة الثانية بعد " هوامش على تغريبة القمر العائد " عام 1993 ، وطبعا كل ذلك في مجموعة الأعمال الكاملة المطبوعة في دار نشر الشبكة الإليكترونية التي أحبها وتحبني ولا تخضع لأي ٍ من الأسباب التي منعتني ولا زالت تمنعني من نقلها إلى أي دار ورقية في أي مكان من عالمنا العربي خاصة بعد تجربة محاولة نشر المجموعة السابقة وحلمي هو نشرها يوما في فلسطين حرة وشابة من جديد واراه قريبا .

الرد على هذا المقال

نسخة من المقال للطباعة نسخة للطباعة
| حقوق المادة محفوظة ويمكن الاقتباس والنقل مع ذكر المصدر|