{env}

الصفحة الأساسية > حوارات > اللبدي لـ«البلاد الجزائرية»: الشعر علاقة روحانية ....!

.

اللبدي لـ«البلاد الجزائرية»: الشعر علاقة روحانية ....!

الاثنين 13 نيسان (أبريل) 2015

اللبدي لـ«البلاد الجزائرية»: الشعر علاقة روحانية ....!

[(في حوار مع صحيفة <البلاد > الجزائرية وثقافيتها، أجرته الكاتبة الجزائرية سهيلة بورزق، مع الشاعر أيمن اللبدي نائب رئيس تحرير صحيفة الحقائق والمشرف العام على الحقائق الثقافية، سلّط الشاعر اللبدي الضوء على ملامح أسباب الأزمة الفلسطينية الخانقة،سياسياً وثقافياً ، وعزاها إلى حقيقة تجاوز الأهداف الوطنية الفلسطينية هبوطاً، إلى مشروع ورهان خاص عند البعض قفز بعيداً في الهواء تحت إثر وهم كبير، وأصرَّ على أن يصف قصيدة المقاومة بأنهاخلاّقة وحيّة ولا زالت في مكانها، في جواب على سؤال حول وضع قصيدة المقاومة الفلسطينية إن كانت قد خبت ، كما أشاربأن الذين خبوا هم من تلاشى تسليط الضوء عنهم بطلبهم أو بانتهاء مرحلة ، لا سيما بعد أن آثر بعضهم النكوص، بل وحتى وصولاً إلى" طلب الصفح والغفران من العدو"على حد وصفه!)]

ويسر الحقائق الثقافية ، أن تعيد نشر هذه المقابلة فيما يلي:-

الشاعر " أيمن اللبدي " للبلاد الثقافية : *الشعر علاقة روحانية حتى لو حمل تجاوزا صفة المنتوج الانساني... *معظم النصوص التي نطلع عليها ، ليست نسائق على الاطلاق... *إننا في قلب ثقافة الحداثة وما بعدها...

- أجرت المقابلة عن طريق الانترنت من واشنطن : سهيلة بورزق

أقترب من هذا الشاعر الفلسطيني الفذ وكلي رهبة من لغتي التي قد لا ترسم له الحقيقة الواضحة كي تستلهم منه الفكرة والقول والاختلاف... هو العابر إلى منفى الشعر بقراراته العميقة ، هو الدلالة الأدبية على حداثة الفكر ، إنه يستنطق الخطاب الشعري بيقين المعرفة ، ويوزع بحوره أزمنة قلق تبحث في المسألة الشعرية كي تنهي مسافة الصمت بين سياق الاستلهام وعبثية الايحاء . من مجموعاته الشعرية : *من وصايا النزف 1980 *هوامش على تغريبة القمر العائد 1996 *انتفاضيات 2003 *ما نفستو لا 2006 ومن مؤلفاته الأخرى : • الشعرية والشاعرية • مسائل أساسية حول الشعر العربي المعاصر (اءصدار اءليكتروني عبر موقع ناشري) • المرأة والشعر العربي (اءصدار اءليكتروني عبر موقع ناشري) • مخطوط شعري جديد تحت الطبع حاليا هو نائب رئيس تحرير صحيفة الحقائق الدولية ......

-1: هل يحق لي أن أسألك لماذا أنت شاعر في زمن الأسلحة الثقيلة والطّاقة النّوويّة؟

* لك الحقُّ في السؤالِ قطعاً، لكن دعيني أعيد جواباً على الجزء المسند إليه هذا السؤال، واختيار صفة شاعر، أعتقد بأني أرى نفسي مشروع شاعر منذ فترة ولا أزال، لا يمكنني الجزم بهذا إن أتممت متطلبات هذا التوصيف، ومسألة الصفات مع أننا نكتبها أحياناً، لا زالت مسألة مشاريع، بأمانة هذه ليست بطاقة تواضع، هذه لافتة أثبتها أمام ناظريَّ دوماً، وقلت فيما مضى"يقولون شاعر" وعليها لا زلت. المسألة الأهم في ظني هي الإسناد الثاني، بمعنى إسناد الزمنية للتحولات المحيطة ، وافتراض صيغة عمر محددة لمنتج، وهذا التوصيف لمنتج اليوم هو "الشعر"، في مقابل منتج آخر هو "الأسلحة النووية"، لا أرى ذلك في حقيقة الأمر تماماً، الشعر هو الذي استعصى على الزمنية دوماً، لعلته الخاصة التي تقفز عن الزمنية، ببساطة لأن الشعر علاقة روحانية حتى لو حمل تجاوزاً صفة المنتوج الإنساني، أما ما تلا ذلك فهو منتج مادي، تتعامل معه الزمنية حتماً. أما الروح ولوازمها، فهي كما هو معلوم، خارج الزمكانية بامتياز، وعليه كان دوماً وما زال الإنسان، مرتبطاً بها وبلوازمها وطقوسها، ارتباطاً فوق الحاجة، وخارج الزمكانية، ربما فهم أو قد يفهم أو حتى قد يعلّل بعضه هنا وهناك يوماً، لكنَّ مركب حقيقته أوسع من مدرك البشر، ما زال الأصل فوق طاقتهم ، أي الروح...البعض قد يجيبك إجابة ميكانيكية وخطية مباشرة، كأن يقول لك.... هذا أصلاً هو زمن الشعر أكثر من أي وقت مضى، وأعذره تماماً لأنه سيستند إلى بعض ما فهم من لوازم الروح في مثل هذا الجواب....

-2هل الكتابة الشّعريّة مسألة ذات أبعاد انسانيّة في نظرك ؟

* لعلكِ أدركت الخلاصة تماماً، نعم الكتابة الشعرية هي مسألة ذات أبعاد إنسانية بالضرورة، بينما الشعر الباديء قبل هذه الكتابة، هو فوق الأبعاد الإنسانية المباشرة، وأقوى من الأدوات الإنسانية، إنه يأتي كشفاً، وهو يأتي طاقة غيبية، قد تكون أحياناً أقوى مما سميّت آنفاً في سؤالك السابق ، أي الطاقة النووية، الطاقة النووية في أسوأ استخداماتها معادل موضوعي للفناء، وأصعب التحديات أمامها أن تعيد بناءً واحداً مما تهدّم، إنما الشعر..لا، هو طاقة إحيائية بامتياز، طاقة خلق وبناء وتحليق ، طاقة يمكنها أن تقف في وجه النووي وغير النووي، مع أنَّ النووية هذه نسبية فما تم تدميره، على امتداد التاريخ بقوى التدمير الأخرى نسبياً لا يقلُّ عن ذلك فظاعة، ومع ذلك عاد الإنسان لأن روحه عادت واشتغلت.

الكتابة الشعرية حتى لا أنسى، مسألة دربة تقوم على محاولة نقل الطاقة الشعرية ، إلى بياض الورق أو إلى عصب الأذن، لا فرق فكلا الحالين هو العملية الإنسانية، هو الاستقبال الأول لهذه الطاقة، لقد وصفت مراحل استقبال هذه الطاقة الشعرية مبتدءً بلحظة الاكتشاف، فالاستحثاث، فالاختزان وفي كل مرحلة من هذه خواص فعلاً توصّف الفعل الإنساني، في ترجمتها إلى غايتها، الأمانة هي الحد الفاصل بين الشعر و الرسالة الشعرية أي الكتابة الشعرية، والقدرة والصقل هي الفرق بين التبليغ للرسالة وبين محاولة ذلك، موسى عليه السلام قال "وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَاناً فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءاً يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ".

-3لماذا خبت القصيدة الفلسطينيّة المقاومة ؟ لماذا لم يعد لها صدى الأزمنة الضائعة؟

* سؤالك موجع ، ساءلوا محمود درويش عنها.....ولكن لا بدَّ من تسمية الأشياء بأسمائها، وفي العامّ البعيد....قصيدة المقاومة هي ليست فقط، الشكل المحدد لغوياً، قصيدة المقاومة بالمعنى الواسع، هي روحية المقاومة وإرادتها، ظني العكس تماماً، رغم كل مظاهر العجز والشلل والصمت من جهة، ورغم كلِّ محاولات التيئيس والتثبيط والتهويل من جهة أخرى، بأدوات كل منها وبلاعبي كل من هذه الحالات، فالمقاومة لا زالت كما هي، بل لقد حققت إنجازات تاريخية، وهي على طريق تثبيت هذه الإنجازات حتماً، أنا غير قلق من هذه الناحية إطلاقاً، سواء أكنا نخصّص المقاومة الفلسطينية أم نعممها، ونقول المقاومة والممانعة العربية، بل وحتى الممانعة العالمية من أمريكا اللاتينية، وحتى عالمنا الإسلامي ككل....

أما النص المقاوم وبالذات الفلسطيني منه، فهو موجود ومتوفِّر ومواكب، بل وأقول خلاّق ومتجدد، إنما بعض أصحاب المواقع التي عرفت قصيدة المقاومة من خلال تسليط الضوء على نتاجهم عبر مراحل محددة، هم الذين خبواْ وهم الذين تخلّفوا عن قصيدة المقاومة، بل وأكثر من ذلك بأن بعضهم أصبح يبشّر بقصيدة طلب الصفح والغفران، من العدوّ على حساب دم شهداء المقاومة وتاريخهم، ويقدمها على أنها مراجعة، هم من استقال من موقع قصيدة المقاومة .....له أن يراجع ما يريد لكن من خارج السطر، أما مشروع قصيدة المقاومة وهدفها، فهو هو لم يتغيّر ولن يتغيّر طالما بقيت ظلامة شعبنا الفلسطيني بل والعربي قائمة،وقصيدة المقاومة في صدر هذا العنوان.....

الصدى والضوء والظلّ وغيره، كل هذه كانت مصنوعة وتعيش على هامش الفعل الفدائي، وحينما توقفت مرحلة الصناعة، توقفت الأصداء التي أظنّك تقصدينها، لكن الأخرى التي هي حقيقية لم تتوقف، لم تخبُ ولم تنفلش، بقيت في وهجها بل وأكثر من ذلك، والمفارقة المضحكة....، أن بعض نصوص هؤلاء أنفسهم، من الذين يقومون بالمراجعة التي وصفت لك، لا زالت على قيمتها كما كانت، عند جماهير المقاومة وأبطالها وزملائهم ممن بقوا أوفياء، لمشروع قصيدة المقاومة....هل ينكر أحد هذا ؟ لا ....لا ينكره إلا صاحب غرض، ونحن نربأ أن ينكر ذلك على من له حق، لقد صنعنا صدىً صناعياً، قرّر البعض أنهم لا يحتاجونه اليوم، على أمل أن ينجزوا في فترة المهلة التي أعطوا أنفسهم سنواتها شيئا، ماذا كانت النتيجة ؟ وصلنا إلى مشروع عند بعض حارسي رهان هؤلاء ، مشروع للأسف لحماية العدو بقوى فلسطينية بل ولاستعداد بعضهم للذهاب إلى كل الخطوط الحمراء بما فيها الدم الفلسطيني ؟ هل هذا معقول !...أقول ما قاله جمال عبدالناصر الخالد أبو خالد رحمه الله يوماً "ما أخذ بالقوة لن يسترد بغير القوة" ، وصلاح الدين لم يذهب إلى كامب ديفيد ولا واي ريفر ليعيد القدس لأهلها، نحن في فلسطين نحتاج اليوم إلى أن يخرج الزعيم الراحل هواري بو مدين من مقولته الرائعة" مع فلسطين ظالمة أو مظلومة" ، قصة ظالمة ....لا نريد أن يصمت أشقاؤنا عن ظلمنا لأنفسنا اليوم في أي رهان ، بل حتى نريدهم أن لا يسمحوا لنا بظلمنا أنفسنا من جديد.....

4- ما الذي اختلفت به في مجموعاتك الشعريّة؟وهل حققت فيها غرور الشاعر فيك ؟

* لا أدري ما كنه الاختلاف الذي تقصدين، هل هو تمايز داخلي بين المجموعات الأربع التي صدرت، أم اختلاف خارجي مع التجارب الأخرى! ، ومع ذلك أقول أن كل هذه المجموعات التي صدرت حتى الساعة، كانت مراحل لمانفستو "لا" الأخير والذي خرج مؤخراً، ومع هذا المانفستو الواضح والذي يحمل عنوان "لا" المطلقة بكل أبعادها، سيأتي ما بعده وهو مرحلة "حتماً" التي آمل أن تصدر قريباً وقد ترجمت رسالتها على الأرض، "لا" لن نساوم، و"حتما" سننتصر، باختصار ودون اكسسوارات لغوية ، هذا ما هو عليه هذا المشروع الذي يمكنك إن أحببت وصفه "بمساهمة" من أجل بقاء مشروع قصيدة المقاومة كما هو، ووصول رسالتها كما هي، وإن لم يكن لي غير هذا فأنا ممتن للشعر وللغة ....

أما ما اختلفت بينها، فقطعا ثمة فوارق من حيث نضج التبليغ، وفصاحة توصيل الفكرة، على الجانب الذاتي، ولا شكَّ أنها اختلفت باختلاف ما روته وما حاولت أن تكشف فيه، وحاولت أن تظهر لقارئها مساحات رؤية قابلة، هذا هو المنطق الطبيعي ، ومسألة الاختلاف عن تجارب الآخرين من الأحبة والزملاء لا تقلقني، ولا تشغل بالي إطلاقاً بحال، وأستطيع فوراً أن أقفز إلى مسألة هل قدّمت ما كنت أريده، لأقول لا....لا زالت المحاولة مستمرة، ولا زلنا نحاول، المهم أن نبقى محاولين، أما الغرور فلا أعرف من هو هذا الوحش الذي تسألين عنه ولا أحبُّ معرفته!

JPEG - 39 كيلوبايت

-5كيف نستطيع أن نخلق ثقافة عربيّة واعية بالشاعر العربي اليوم؟

* نستطيع ذلك اليوم وكل يوم، إذا وفّرنا الإجابة الصحيحة لهذا السؤال، أن يكون المتقدّم عربياً بكلِّ ما فيها من مساحات أولاً ، وأن يكون شاعراً ثانياً أو على الأقل مشروع شاعر حقيقي، وأن يكون صادقاً وأميناً وصاحب إرادة ، وأن يكون في رسالته فصاحة الوعي الخلّاقة، وأن يكون في صحة جيدة...أظنّك ستبتسمين الآن، لأفهم لم تستغربين...، نعم في صحة جيدة ، صحة مادية ومعنوية، صحة حرية وصحة كرامة، صحة استقبال من العالم، وصحة إرسال له، كل المستقبلات يجب أن تكون فاعلة، وكل المرسلات يجب أن تغدو سليمة، هكذا يمكن أن نقول عندنا بداية.....

-6تكتب قصيدة العمود وتسمي شعر التفعيلة بقصيدة السّطر وقصيدة النثر بالنسيقة ماذا تحاول أن تعكسه شعريا؟

* أسمي شعر التفعيلة بشعر السطر الشعري نعم، أظن أن الاختلاف القديم نشأ من فكرة الشاعرة نازك حول تقنية المستخدم، أي التفعيلة في بناء النص وليس نوعية النتاج أي السطر الشعري، فالتفعيلة هي ذاتها تستخدم في البحر إن نظمنا به القصيدة الرسولية الكلاسكية، أو نظمنا به القصيدة الوحيوية الجديدة، إنما النتاج يعتمد في الأولى على البيت تمهيداً للمراكمة والمراكبة لاحقاً ، وببعض شروط وصولاً إلى العمود، وبالمناسبة ليس كل قصيدة كلاسكية هي قصيدة عمود، أما في الثانية فلديك هذا السطر الشعري الممتد والمحتمل لتفعيلة أو أكثر منها ومن أجزائها إن أحببت التجريب أو التدوير، يعني التسمية هي فقط لضبط المصطلح بما نقترح، قد يؤخذ به وقد لا يلتفت إليه، هذا شأن الدرس النقدي، وما علينا إلا البلاغ.

أما قصة النسيقة فالأمر مختلف، هنا نحن نحاول أن لا نضبط مصطلحاً فقط، نحن نحاول أولا فهم ميكانيزم داخلي لهذا النتاج، ومن خلال ذلك اقتراح تسمية محددة له، لدى الكاتب محمد الصالحي من المغرب دراسة وافية بعنوان "تأملات في المصطلح" اطلعت عليها ، وأظن أن هذه الدراسة جميلة جداً لأنها وقفت أمام اضطراب المصطلح بشكل لافت، إنه يشير حيث قال جبرا أنه يكتب "قصيدة النثر" وليس "الشعر الحر" وحيث قال سركون بولس ذلك وحيث قال أدونيس ذلك وأنسي الحاج أيضا، لكن اللافت في رأي الصالحي مثلاً أنه يقول" إنه يمثل لذلك بأنسي الحاج الذي إن اعتبر ديوانيه الأولين "قصائد نثر" فانه يصعب إلصاق ذات الاسم بمجموعاته اللاحقة الا فيما ندر، كما يصعب اعتبار سركون بولص شاعر "قصيدة نثر" بامتياز، لأن مجموعاته الشعرية التي هي من "الشعر الحر" إنما تخترقها قلة من نصوص نثرية "، يعني في ظنه أن ما كتبه جبرا عندما يصف نصوصه والماغوط وتوفيق صايغ بأنها قصائد نثر، هو محق بينما يرى في كتابات الآخرين مجرّد قصائد شعر حر يتخللها نثر!

بعض الاقتراحات ولعلها نوع من الهروب ، جاءت لاحقاً لتقول لا نريد هذه التسمية أي "قصيدة" على ما نقدّم، إنه نمط آخر للاضطراب وانتهى الكلام، يعني ما هو هذا النوع الآخر ؟ أليس من حاجة لتوصيفه ولتسميته، حتى اللقطاء لهم أسماء ! هذا غير معقول إطلاقاً، فالتجنيس مسألة وضرورة التسمية مسألة أخرى، فإن جاءت عملية مطابقة بين الحالين كان الحال أفضل بالتأكيد، وأدعى للتوقف عن الدوران الفراغي الحاصل...

طبعاً قلت أنا حاولت في كتاب "الشعرية والشاعرية" ، أن أقف على ميكانيزم العملية الشعرية عند الشعراء، وتطور مراحلها، ولا شأن لي بالدرس النقدي في مبحث الشعرية، كنت منصباً في جهدي على الوقوف على أحوال الشاعر ذاته، وطبعاً ما ينتجه عند كل مرحلة، وعندما انتقلت إلى الجزء الثاني ،وقفت أمام "قصيدة النثر" ، وكان لا بدّ من فهم ميكانيزم تخليقها أيضاً ، والجواب عن السؤال الذهبي من ينتج هذا اللون وما طبيعته ولماذا ؟

الدرس قال بأن المنتج الحقيقي هو شاعر مبدع في مرحلة الشاعرية المنهجية، ولكنه لم يستثن إمكانية إنتاجها في مرحلة شعرية أقل، مع أن الاحتمالات غير معلومة سابقاً، والمهم بالنتيجة أن الشاعر الذي يستطيع القفز في الهواء، بين قمة جبلين ليركّب من البنى العلوية في القصيدة، أي الصور والأخيلة، موسيقى تعوّض عن الموسيقى المباشرة، هو منتج محتمل لهذا اللون، ولا يمكنه ذلك إلا إذا كان قادراً على التحكم بنسق خاص، يقوم فيه بتنظيم وتنسيق الطاقة والدفقة الشعرية عنده والتي هو في مرحلة تسمى الاختزان ، ليفوز بالنتيجة، مادة شعرية لافتة حتى وإن اختفت منها الموسيقى المباشرة!

المشكلة اليوم أن معظم النصوص التي نطلع عليها، ليست نسائق على الإطلاق ، وأتفق في هذا مع بحث الصالحي وقول جبرا، فضلاً عن أن تكون مشروع قصيدة نثر عربية، بعضها ما دعي "بالكتابة الحرة" وألصق له لصقة الشعر، ولا أدري لم الإصرار على ذلك، مع أن النثر بأنواعه جميل، وأعظم نثر على الإطلاق بل أعظم لغة ، هي النص المقدس وجاءت نثراً، والبعض يكتب مجرّد خواطر، وآخرون يقدمون قطع إنشاء ، وبعضهم يزوّدك بغير هذا من مسابقة حشو المفردات الغريبة، الفوضى هي التي تمنع أولاً تأصيل نسيقة ، وهي التي تتآمر على مشروع إنتاج نسيقة عربية أو إن أحببت "قصيدة نثر عربية"، يوجد أسماء مؤهلة لهذا الدور والمشكل أنها تعزف منفردة، كتبت مؤخراً برقية عاجلة لهذا، علهم ينتبهون وعلهن ينتبهن....!

هذا القول يعنيني كباحث في هذا الجانب، ربما قد لا يعنيني كمشروع شاعر، ومع ذلك وجدت أن بمقدوري أن أقترح مصطلحاً، وهذا ما فعلته، مسألة كتابة هذا النص مسألة أخرى، وقد سبق أن ألحّ عدد من الأصدقاء علينا بذلك، فقلنا خيراً ومنهم الصديقة الشاعرة فاطمة ناعوت على سبيل من الذين يحضرني قولهم ، وكذلك صديقي وأخي القريب الروائي الفلسطيني الرائع رشاد أبو شاور، لكني لم أقترب حتى الساعة من هذا النص، ربما أرى أني لم أستنفذ تجاربي في الشكلين السابقين بعد، وأنا بطبعي ضد قضية توظيف الشكلية وإقرانها بنمط معين من الغرضية خاصة للشعر، ...إذن في سؤالك مسألة ما أريد عكسه شعرياً تهمة لي حتى الساعة، الحقيقة يمكن أن نستبدلها بما أريد أن أضبطه وأبحث فيه شعرياً...

-7في رأيك ، هل ثقافة الحداثة وما بعد الحداثة تأسيس فكري قائم بذاته؟

*السؤال سينفتح على مطالعة واسعة، لا أعتقد أنه من المناسب الذهاب إلى أقصى احتياجات الإجابة هنا، لكني سأجيب بكل شكل مكثف ممكن، ورغم تحفظي على مصطاح الحداثة ومقابلها Modenism بما وضعت أصلاً من أجله، وما استخدمت وتستخدم له تالياً ، سأحيل الإجابة على الفهم العام لهذا الاستخدام العام والعربي خصوصاً له ، وأفهم أنك تسألين بالإحالة إلى المرجعية العربية أساساً، ولأجيبك باختصار، الحداثة وما بعد الحداثة وما بعد بعدها قائمة ليس فقط على المدرك النخبوي، ولا التأسيس لفكر نخبوي تالياً قائماً بذاته، أو مستنداً إلى غيره، بل تكون متوفرة فقط عندما تكون لنا مساهمة فيها، حينما يكون المواطن العربي جزءً من المساهمة اليومية ، وبكل المستويات والمقاييس، عندها أطمئن لأن أقول أننا نعرف هذا الذي نسأل عنه، ولدينا هذا الرصيد فيه، ليس فقط من ناحية درسه وتوصيفه، وليس من جانب ترف الاطلاع عليه، بل من قلب معايشته، وحينما يغدو العقل العربي جاهزاً لهذا الأمر، وتالياً المجتمع العربي، يمكننا القول اننا في قلب ثقافة الحداثة وما بعدها، بدليل هذا رصيدنا فيها، وهي أصبحت ممارسة يومية، وليس مجرّد اطلاع معرفي جامد، يغدو نوعاً من الترف المعرفي...سوى ذلك فإن كل فهم وكلَّ تنظير وكل إدراك يراد له أن يكون بمثابة شراء تذكرة لحضور حفلة الحداثة، طالما المال العربي ما شاء الله، هو نوع من النفاق الفكري، وضرب من الفوقيات الثقافية، المثقف العضوي هو الوحيد المؤهل ليس فقط لتقديم ملخص الفكرة، بل لقيادتها ونقلها للجماهير، أين هو مركز قيادة المثقف العربي العضوي اليوم في عالمنا العربي؟ وكم عدد من فيه!!

-8من هو الشاعر الذي تنكر عليه شاعريته؟

* أنا هو ذلكم....

-9وأنت في غربتك ...هل اختلفت الكتابة الشعرية لديك، هل تحولت بها الى قراءة الذات أكثر ...الوطن أكثر ...الطفولة أكثر...ما الذي يحنّ اليك ؟

* بأمانة وصدق نعم، اختلفت حقاً، الذات والطفولة هما تحقيق الوطن، الوطن ليس فقط الأرض، الوطن هو الإنسان أيضاً، وتعمل هذه جميعاً بميكانيزم عجيب لا يمكن تفسيره، لكن حجم قوة الدفع وأنت خارج التراب، يبقيك مشدوداً إلى صورته، ومن خلالها تستحضر من هو فوقه ومن هو تحته، أو لسنا ترابه في نهاية الأمر نمشي على قدمين حتى حين! لماذا إذن يستصعب البعض هذا النشيد، الاليكترون الذي يغادر الذرة في أي فلك ، لا يمكن له أن يبني ذرة خاصة به، ولكن مع ذلك الوطن أيضا كما قلت ليس فقط الماضي، بما فيها الطفولة، الوطن هو الحاضر، وهو المستقبل، حينما تكون فوق ترابك الوطني، تأخذ نصف المسافة إلى الوطن، ويتبقى عليك النصف الثاني، الذي تجده فقط في الصورة التي تريدها من إنسان وطنك، وإن فقدت ذلك ستكون غريباً حتى فوق ترابك الوطني، هكذا أفهم مثلاً غربة مريد البرغوثي الذي "رأى رام الله" لكنه لم يرها رغم عودة له ،الوطن الذي نقصده دوماً ، هو ذلك النظام الكامل التام المنسجم بين التراب الفوقي والتراب الداخلي...

-10هل أنت شاعر قلق؟

* نعم وإلى حد كبير..... -11 كم سنة مرّت على عشقك الأوّل...لكنّه يبدأ معك كلّ صباح جديد قصيدة حب تقول العمر كلّه ؟

* يمكنني الذهاب مباشرة إلى القول،أن كل قصيدة تحمل هذا التاريخ بامتياز، وعليه أترك احتساب السنوات للقاريء، الحب والعشق ومفرداته التي في لغتنا العربية، تفوق أي عدد آخر في لغة حول العالم، بكل كاميرا دلالاتها التصويرية، لأن كل واحدة منها تصوّر مرحلة، كما علمنا من ابن حزم ، هو عندي نوعان، الأول منهما روحي شامل، والثاني منهما إنساني محدد، والأول هو الذي يقود المسيرة ويحتوي الثاني في تصالح، لا نؤجل حبنا الإنساني، نحن نمارسه ولكنه يبقى ناقصاً ، طالما لم نحقق حبنا الروحي والوجودي الشامل، طالما عندنا قضيتنا الوطنية وقضايانا العربية، يبقى عشقنا وهيامنا وولهنا الإنساني مجرّد قصة قصيرة، نعيشها نعم وأنا ممن يشكر الله عليها، وهي سبب رئيس في كثير من منجزي الشخصي والأدبي بامتياز، ولكن الرواية هي الأصل لنا جميعاً ....

-12قصيدة شعرية عنوانها " أيمن اللبدي " ما بحرها؟

* أعترف لك بأن هذا ليس سؤالاً تقليدياً ولا مفترضاً، هو نوعي وإبداعي بامتياز، أشكرك عليه، وأجيبك بحرها الوضوح.........

الرد على هذا المقال

نسخة من المقال للطباعة نسخة للطباعة
| حقوق المادة محفوظة ويمكن الاقتباس والنقل مع ذكر المصدر|