{env}

الصفحة الأساسية > حوارات > الشاعر الفلسطيني أيمن اللبدي في ضيافة النور

.

الشاعر الفلسطيني أيمن اللبدي في ضيافة النور

الاثنين 13 نيسان (أبريل) 2015

حوار الشاعرة والإعلامية الجزائرية نوارة لحرش

الحوار مع صحيفة النصر ومنقول عن عن موقع النور

الشاعر الفلسطيني أيمن اللبدي في ضيافة النور

- نـوارة لـحـرش

15/10/2007

سقوط مشروع قصيدة " النثر " العربية مسألة وقت أيمن اللبدي شاعر فلسطيني و نائب رئيس تحرير جريدة الحقائق الدولية اللندنية وهو المشرف العام على الحقائق الثقافية، له عدة مجموعات شعرية منها : " من وصايا النزف " العام 1980، و" تغريبة القمر العائد" العام 1996 و " إنتفاضيات" العام 2003 و " مانفستو "لا " العام 2006 . كما له بعض الكتب النقدية منها كتاب "الشعرية والشاعرية " العام 2006 والذي تحدث فيه عن قصيدة النثر العربية وعن مسألة فصل الشعرية عن الشاعرية وعن الكثير من همومها ومفاتيحها . في هذا الحوار يتحدث الشاعر أيمن اللبدي عن سقوط مشروع قصيدة "النثر "العربية.والذي يرى أنه مسألة وقت فقط ، وعن الأسباب الأكثر إحتمالا لسقوطها،وعن شعرية قصيدة النثر و مكامنها وعن " النسيقة " التي يرى أنّها التسمية الأنسب التي تصف النتاج الموجود أمامنا كقصيدة " نثر".. وعن أمور أخرى نكتشفها معا في هذا الحوار. حـاورتـه / نـوّارة لـحـرش

النور : حتى لا يكون سقوط " قصيدة النثر العربية " مسألة وقت . هو عنوان مقالة مهمة لك ، برأيك هل سقوط قصيدة النثر العربية حقا مسألة وقت ؟

أيمن اللبدي: نعم، أظن أن هذا المآل مسألة وقت، قد يطول وقد يقصر، وما بين بداية ذلك ونهايته ثمة زمن طبعاً ، وهو محسوب على أساس أنه جزء من إجمالي رحلة الهبوط هذه...للأسف هذا ما أراهُ وهذا ما أتوقعه...ليس في المسألة تشاؤمية ، فهذا ليس بديدننا ...لكنه جسّ المستقبل القادم بيد الحاضر، هو مسألة وقت في ظني.

JPEG - 19.7 كيلوبايت

النور : إذا سقطت قصيدة النثر ،فما هي الأسباب الأكثر إحتمالا لسقوطها ؟ أو التي أدت إلى سقوطها ؟

أيمن اللبدي : ثمة أسباب كثيرة في الأكثر إحتمالاً ، لكن قبل ذلك دعيني أوضّح هنا أننا نتحدث عن مشروع قصيدة النثر " العربية " وليس عن قصيدة النثر كجنس أدبي ، وفي هذا التعميم الأخير ثمة هامش كبير متعلّق بشعريات أخرى، أو تجارب غير عربية،هذا شأن آخر و حديث آخر أيضاً.

في موضوعة السقوط أيضاً ثمة كلام وتفصيل، فهو على شكلين : سقوط واقعي من خلال توقف محركات التوليد نحو إنجاز صيغة (خِلْقة) ، وسقوط موضوعي الافتراضي فيه من خلال عدم المراكمة وعدم المتابعة إلى إنجاز صيغة (نمو)، هذان النوعان في نهاية الأمر ترجمتهما الحقيقية هو سقوط مشروع قصيدة "النثر "العربية.

الآن في أسباب ذلك يمكنكِ تخيّل الأمر في ظل إختلال أيٍّ من جناحي طائر ٍ ما، هل سيبقى هذا الطائر طويلاً في الهواء محلّقاً ؟ وإلى متى سيصارع ويغالب ؟

جناحا مشروع قصيدة النثر "العربية" إثنان لا ثالث لهما: جناح تحقيق المعيار العربي الذاتي وذلك في وضع الأطر والصيغ والمقياس لقصيدة النثر "العربية".في هذا المجال سبق وأقترحت تنظيراً وعلى أساسه قلت بقبول تجربة قوة الممكن في مشروع قصيدة النثر " العربية " بالنسبة لي ، وكان البحث يرى ضمن أطر الذاتية "العربية" في الفنون القولية العربية وخاصة الشعر رأياً يستند إلى زاويتين وتوفر شرطان :

أولاً: شرط التعويض بالصورة لتحقيق الموسيقى البديلة، وثانياً: الخروج من حدود الكتلة السردية المحض ، التي تجعل مثل هذه القصيدة المفترضة في مشروعها غير ممكنة التمايز بين فقرة من خاطرة ما أو قصيدة نثرية ما .

أما الجناح الثاني : فهو جناح الشبكة الأدبية المحيطة، هذه الشبكة الناشئة عن علائق الرسالة بالمرسل والمتلقي، وعن تطوّر التفاعلات في هذه الشبكة والعناية بكل جزء فيها، بما يغني هذه التجربة ويجعلها قابلة لدورة حياة تامة، دون ذلك فإن من الصّعب تخيّل مشروع جمْعي، إن كان المقصود هو نحت تجربة فردية ووضعها على رأس صاروخ بحجة الحرية المطلقة وقيمة الإنفراد، فهذه ليست دواعي مشروع ولا تستحق التسمية بكلمة مشروع، وستبقى حدودها مجرّد صراخ متقطع في أودية سحيقة.

لا بد من مداواة العلل في جناحي طائر مشروع قصيدة "النثر" العربية، وإلا فإنه سيهوي لا محالة، وهذه العلل هي التي ستكون في مقدمة أسباب سقوطه.

النور : برأيك متى يمكن أن نقول حقا بأن قصيدة النثر قد سقطت أو هي على وشك السقوط ؟

أيمن اللبدي : أجيبك بصراحة ووضوح شديدين، عندما يمر الوقت ولا نستطيع بالنتيجة النهائية تميز وجود هذه النسخة "العربية" من قصيدة "النثر" التي نتحدث عنها كبطاقة وهوية وصناعة حينما لا يكون هذا موجوداً وحينما يكون ما لدينا هو مجرّد نسخة عن قصيدة نثر "بشعرية أخرى ". أيها كانت هذه الشعرية، وأنها مكتوبة فقط بالحروف العربية.هذا يعني أنّ لا قصيدة نثر "عربية" لدينا..!...وهذا يعني باختصار أن التجربة "عربياً" فشلت وانتهت إلى سقوط .

النور : قد يسقط شاعر نثري ما لأن مشروعه الشعري وقف عند سقف ما من الطموح والصورة والشعرية و الإجتهاد لكن قصيدة النثر لا تسقط ؟ يعني قد يسقط الناثر لا القصيدة النثرية ؟

أيمن اللبدي: لا أجدني موافقاً تماماً على هذا في حقيقة الأمر بما يراد منه...وفي ذات الوقت قد أوافق أن يكون هذا الإستنتاج على أساس جزء من عملية تعليل "قوة الممكن" أثناء السير في مشروع تجربة قصيدة النثر "العربية" ، لكن حينما تكون نتيجة عشرات أو مئات من شعراء نثر عرب قد سقطوا جميعاً،فمعنى هذا أن المنجز الإجمالي هو السقوط لمجموع التجارب.

هذا في جانب، ولكن الجانب الأهم في نظري أن سقوط المشاريع الفردية يمكن أن يكون علامة أو دليلاً، لكن حينما نتحدث عن مشروع قصيدة " نثر" عربية، فنحن هنا نتحدث عن صيغة جمعية .

هكذا سنجد إشارة مزدوجة في نتيجة من هذا النوع..المسألة قد تختلف في مشروع قصيدة مكرّسة ..لو فشل شاعرها فسيكون فشله هو، وهي تبقى هناك سليمة من فشله...نحن نتحدث عن مسار تجريب لتحقيق مشروع، فشل أصحابه هو فشل للمشروع.

( الإلقاء بكومة من السطور خلف بعضها لا يصنع قصيدة)

النور : قصيدة النثر أليست هي الوجه المشرق الآن للشعر و للشعرية في آن؟

هي سيدة المشهد الشعري الحداثي الآن وهي تذهب صوب حداثية أكثر و أكثف يعني سقوطها مستبعد ؟

أيمن اللبدي: أراكِ تحيلين الأسئلة إلى قصيدة النثر بعامة، وأراني من جديد مضطراً لإحالة الإجابة إلى مشروع قصيدة " النثر" العربية الذي يهمني وتهمني هي في هذا المجال...مع ذلك دعيني أقول أن هذا الوضع قد يكون محقاً في شعرية أخرى...أنا ببساطة لا أعرف إجابة شافية هنا في الإحالة العامة..أقول قد يكون.

لكن إن كنا نتحدث عن الشعرية العربية، أقول لا ...هذا غير صحيح بالمرة، قصيدة النثر "العربية" كمشروع هي هلام غير متحقق شروط التمام بعد، وبالتالي لا يمكن تحميلها أكثر مما تحتمل... لكن هذا لا يمنع أن بعض النماذج التي إجتازت كعلامة لقصيدة نثر"عربية" تحمل صيغة جميلة وأملاً ما.

فيما يتعلق بالحداثة والحداثية أيضا لي تحفظ على هذا المصطلح المضطرب، ومع ذلك سأحمله على ما يقصد به البعض عند إطلاقه...هناك فوضى في هذا المشهد..هناك دجاجة تضطرب بحركة هوجائية فوق كومة من الكلمات المنثورة..حتى أنها ليست على صفة النثر واستيعابه ....هذا لا يخلق أسساً يمكن الركون عليها...وهو في نفس الوقت يقدّم رواية خادعة وغير صحيحة.

هناك سطر واحد في خاطرة تصلني أجده أكثر قيمة من عشرات النصوص التي يطلق عليها مسمى قصيدة " نثر"...الإلقاء بكومة من السطور خلف بعضها لا يصنع قصيدة ، كما أن كتابة قصيدة كصفحة واحدة لا ينفي عنها شعريتها...ثمة فوضى حداثية وليس هناك شعر حقيقي فيها إلا ما ندر...ومرة أخرى أتحدث عربياً....

المشكلة أن هناك بعض الأسماء تستطيع أن تؤسس في تقديري حالة إنقاذ لمثل هذا لكنها لا تفعل..أنا أتحدث عن مشهد قصيدة النثر "العربية" المشروع ..وفي نهاية الأمر كما قلت لكِ تراكم الفوضى لا يصنع شيئاً..من يتحدث عن الحرية يجب أن يفهم أن العالم أصلاً يميل على الفوضى لأنها أقل قدر من الطاقة ..هذا هو درس الكيمياء ..وللنظام يجب أن تصرف طاقة حتى تصنعه..النظام هو الذي يبني وهو الذي يعني تراكمه ثمرةً ..الفوضى ليست إلا درس الطبيعة الأول فلا يقولنَّ لي أحد أنه قد قدم شيئاً إذا ما تمترس عند درسه الأول.هو لم يأت بجديد إن بقي فيه وهذا لا يجيب على الأسئلة التي يدعي البعض أنه يسعى إليها من خلال محاكاة هذا الإنعتاق الكامل...لم يأت ولن يأت ...هذه قاعدة ناموس وليست مجالاً للتجريب...هنا أعيد لا بد من معيار ولا بد من صيغة ولا بد من قانون..اللاقانون هو العجز..هو ليس الفعل وليس الإكتشاف..وإلا فإن كل من يكتب حرفاً واحداً هو شاعر وحرفه هذا قصيدة ...هل يمكن ذلك ؟

النور : أين تكمن شعرية قصيدة النثر برأيك ؟

أيمن اللبدي: برأي من قدمها في الشعريات الغربية ومن ملاحظات برنار ومن سبقها ومن لحق بها، فإن إحتفاءها بالهامش بعيداً عن المتن، وتفصيلياته ولا غرضيته وفجائيته هي ركائز نهوض شعرية هذه القصيدة عندهم...بالمناسبة أجدني مختلفاً أيضاً مع السيدة برنار حتى في هذه ... هي حرة أن ترى أن النص الجديد هذا هو لا غرضي...لكن المنطق يقول أن اللاغرض هو غرض بحد ذاته...لأن إستخدامه على هذا الوضع الشرطي أصبح يحقِّق صيغة الوجوب الملزم...هو بذلك يطلب هذا الوضع أصلاً وفصلاً..هو في الحقيقة يختار لهذه القصيدة غرضاً إسمه اللاغرض...ومجال إسمه اللامتن والهامش ..وموقعاً إسمه الفجائية....

أنظري ،القصيدة الحقيقية ذات روح واحدة،ولكن يمكن أن يكون لها أثواب متعددة. هذا هو الوضع الذي أفهمه وأفهم شعريته. ألبسي ثوب العمود أو ثوب التفعيلة أو ثوب النثر أو حتى ثوب الصمت وأعطيني الأثر الشعري ذاته.

مشكلة البعض أنه يريد القصيدة فيلسوفاً ، والآخر يريدها عرّافة غجرية، وثالث يريدها حكيماً فرعونيا أو غير هذا . هذا هو ما يريده هو ، لكن القصيدة مع أثوابها هذه تريد فقط نفسها وذاتها ...شوقي قال عن الشعر العمودي : " والشعر إن لم يكن ذكرى وعاطفة //أو حكمة فهو تقطيع وأوزان ".هذا لمن عنده الوزن والقافية والبناء ،فما بالك بما هو مفتقر لجميعها؟ ماذا يكون يا ترى إن لم يكن حاملاً هذه المصابيح الشعرية،هذه هي قماشة الشعر وماؤه وهواؤه.

لست مغرماً بتحمل همهمات موهوم. هذا شأنه ، ما الذي يجبرني على تحمّل هلوساته على أنها قصيدة، الحداء الأول كان لناقة العربي ،أراد شريكاً وأراد مستمعاً له...فلا تقولوا لنا أن الشعر اليوم لا يحتاج مستمعاً..هذا إفتراء على الشعر ولا سلطان لهذا الحديث.

مع ذلك أنتِ سألتني عن قصيدة النثر بعامة. ما إطلعت عليه من الشعريات الأخرى وبعض النماذج العربية المجتازة..أقول أن شعريتها تكمن في تكثيف أحد هذه العناصر والركائز السالفة..ولذلك أرى أن قصيدة النثر"الومضة" هي النموذج الأرقى والأقدر على المطالبة بحق ما في هذا الجانب دليلاً على شعرية قصيدة "النثر".

النور : إستنسبت " النسيقة " لـ " قصيدة النثر العربية " ، لماذا هذا الإستنساب ، وما مدلوله ما إحالاته ما مرجعياته وخلفياته ؟

أيمن اللبدي: كل ذلك كان ميدانه الجزء الأول من دراستي عن الشعرية والشاعرية والتي صدرت كتاباً، لقد درست ميكانيزم العملية الشعرية وسيرتها، وفي الجزء الثاني وجدت أن قصيدة النثر هي إحدى التطبيقات التي يجب أن تقول الشاعرية رأيها بهذه القصة...هنا أقول شيئاً هاماً ..هذه التسمية هي لقصيدة النثر ذاتها بعمومها وليس فقط لقصيدة النثر العربية العتيدة. ربما في المقال الذي تشيرين إليه جرى التخصيص لأن الحديث يدور عن هذا المشروع العربي .ولكن في الواقع التسمية لعموم هذا اللون وهذا الفن بحسب النظرية في الكتاب،هذه النظرية تعاملت مع الشاعرية بغض النظر عن الشعريات. هذا ضروري تبيانه كما أرى. إزاء الدرس ،كان السؤال المحتوم يقول : ما هي آلية ولادة هذا النص تحديدا حسب فهم الشاعرية وافتراضاتها ؟ وأخذت الإجابة شوطاً كاملاً لتمر على المدلولات والإحالات والمرجعيات التي تطلبينها في سؤالك هنا..

لكن على أيِّ حال أوجز ما أمكنني وباختصار لأقول أن " النسيقة " تسمية تصف النتاج الموجود أمامنا كقصيدة " نثر" في ذات الوقت الذي تصف فيه ميكانيزم تخليقها ودرجة تطوّر شاعرها المنتج لها في ذات الوقت، إنها تعطي أيضا لمحة من خلال درس الشاعرية عن نوعية السيطرة الشاعرية الأوفر حظاً بأبوة هذا النص، إنها تشير هناك حيث قدرة على التحكّم والتنسيق بين مساري الشعر والنثر في آن. لو عرف أصحابنا شعراء قصيدة " النثر " بما تحيل إليه هذه التسمية لقاتلوا غداً من أجلها...إنها في واقع الأمر درجة شاعرية مميزة..لكن لأصحابها الذين هم فعلاً في قدرة ترجمة حقيقتها، وهي ليست لكل محاول في مجال الشعرية ولا لكل سائر في مراتب الشاعرية، و أعود لأذكّر بأننا قد أقمنا الفرق بين هذا وهذا حتى لا يختلطان من خلال هذه الدراسة.

بعض الأصدقاء ممن لم يقرأ هذا الكتاب للوهلة الأولى ظنّها مجرد غواية لغوية لتجريد الشعراء الذين ينتجون قصيدة النثر من صفة " شاعر"،هذا ليس حقيقياً وليس هو المراد في الواقع مع علمي بأن هناك من إجتهد وأطلق تسميات مستحدثة لهذا الغرض، لكن هنا في هذه الدراسة الموضوع كان مختلفاً كليةً. نحن نتحدث عن شعراء مجدين أصبحت " سيطرتهم الشعرية " في مراحل متقدمة بحسب نظرية الشاعرية،فهم في مرتبة متقدمة " الإمتلاك" أو "الإختزان" من حيث درجات السيطرة الشعرية - مرةً أخرى بحسب هذه النظرية- ، وهم من حيث المرحلة الشاعرية ربما في المرحلة " النقدية " أو على الأغلب المرحلة " المنهجية ". من جديد هذا مبسّط لما تقوله هذه النظرية. في المقابل بعض الأصدقاء الذين ظنوا أن هذا تنظيراً وتقعيداً لقصيدة النثر أدركوا أهمية هذه التسمية ولكنّهم حملوها أيضاً ما لم تقله،الهدف كان دراسة الشاعرية وفصلها عن الشعرية وكانت قصة قصيدة النثر مسألة معروضة على هذا الميكانيزم في التطبيقات لا أكثر ولا أقل، لا هو بغرض عداء ولا هو بداعي الغناء.

النور : قلت " الشاعر أقدر على الإسهاب في كتابة الرواية الشعرية " ، هل هذا يفسر جنوح الكثير من الشعراء إلى الرواية ،فمعظم الشعراء تسربوا إلى الرواية ، لكن تسربهم كان شعريا خالصا ،يعني خدموا الرواية بالشعرية و هم شعرنوا الراوية أكثر إن صح التعبير وهذا ما جعل الرواية ربما تقفز إلى الواجهة والصدارة ، يعني ربما الفضل في نجاح الرواية مرجعه و أساسه الشعر ؟

أيمن اللبدي: انظري هذا صحيح، هذا قلته نعم، لكن أيُّ شاعر تحدثنا عن وصفه هكذا ؟. ليس أيما شاعر هو في هذا الموقع وهذه المقدرة، شعراء حافة النهاية في المرحلة " الشاعرية المنهجية " وحدهم من يستطيعون ذلك، أو هؤلاء الذين إجتازوها إلى مرحلة " الشاعرية النقدية " ، لأن سيطرتهم الشاعرية هي في وضع" الإمتلاك"، وهم بهذا يستطيعون تقسيم هذه الدفقات والتحكم بالميكانيزم فيه فينتجون على الأغلب رواية شعرية جيدة.

دعيني أضيف شيئاً جديداً ربما لم أقله في كتابي: أظن أن هؤلاء الذين أنتجوا قصيدة النثر أو " النسيقة " في هذه المرحلة هم أنجح من يستطيع كتابة الرواية شعرية أو شعر- نثرية، وهم يفوقون أقرانهم من شعراء ذات المرحلة الذين لم يستطيعوا إنتاج " النسيقة "...!

ستقولين : كيف ؟ وأقول ببساطة لأن هؤلاء سيكونون أكثر قدرة على التحكم بمساري شعر- نثر في العقل وفي الغيب، في الوعي واللاوعي، في كل من هذه العقل والغيب هناك مساران : واحد شعري وآخر نثري، وكذلك في الوعي واللاوعي ذات المسألة، القدرة على القفز بين هذه البرازخ متأتية لهؤلاء الذين نقصدهم أكثر من غيرهم، هذا ما أقوله وهذا ما تدعيه نظرية " الشاعرية ".

في مرحلة معينة نعم..هذا حدث حتى في أماكن أخرى من العالم هو نفسه والشيء نفسه يقولون به، لكن اليوم ثمة من يرى حاجز النهاية في آفاق الرواية، الأرجنتينيون بدأ بعضهم يقول بموت الرواية..

لكن في نهاية الأمر فإن الرواية الجيدة التي كتبها شاعر بالنسبة إليه وإلينا هي مشهدية القصيدة الطويلة، والرواية الأخرى التي لم يكتبها شاعر لا زالت تبحث عن مشهدية لقصيدتها ولا أظنها ستجدها.

(الشعرية الجمالية لا شروط خاصة بها لأن أدنى مستوياتها يكفي)

النور : أشرت في المقالة إلى : " شرط الشعرية الإصطلاحي في قصيدة النثر العربية " لكن لم تشر إلى الشعرية الجمالية ؟

أيمن اللبدي: الشعرية الجمالية لا شروط خاصة بها لأن أدنى مستوياتها يكفي، ولأن الشعرية الجمالية تبقى مجالاً منكشفاً عاماً بين كل الفنون والحقول، وهي شرط لشعرية العام، بالمعنى العام هناك كثير من الشعر من حولنا..هناك شعر حتى في الموت الأسود...لا يمكننا أن نقول أن هذه وحدها تنهض لتحقيق إصطلاح ، هذه ترافق المصطلح عليه لتقيم له بنيانه العلوي. ثم من باب آخر فإن مادة ما لا تحقق هذا الجمال تكون كما قلنا في البداية : مجرد تقطيع وأوزان، أو مجرد كومة من الحروف وعلامات الترقيم ومساحات الفراغ من التعبئة على سطوح بيضاء. هذا جانب أساس لا مجال للقفز عنه.

تقلقني عشرات النماذج التي أطّلع عليها فلا أجدها لا هي بالخاطرة ولا هي بالنسيقة، لا هي بالمفيد ولا هي بالملغز. أنظري نحن نريد أن نقول بعد كلِّ قراءة أو سماعٍ أو حتى رؤية : الله ما أجمل هذا وأعذبه...هذا هو مربط الفرس ..ما تبقى تعبئة فراغات لحين الوصول لكلمة السرّ هذه.

النور : في الختام هل من كلمة تود قولها ؟

أيمن اللبدي: أقول لك كلمة واحدة لا زلت أرددها ، بعد أكثر من ربع قرن على الشعر بصيغة العمود وصيغة التفعيلة، لا زلت أرى أني أخشى الإقتراب من قصيدة النثر، هذه مسؤولية وهذه أمانة...لكتابة قصيدة نثر "عربية" حقيقية ونشرها وتقديمها في هذا المجال، يعني أكثر بكثير من مجرّد رمي مجموعة من الكلمات فوق السطوح البيضاء، الرمي غير المسؤول هو ولوغ في دماء قصيدة النثر "العربية" ، هو تحطيم لمشروع " النسيقة " العربي..أتمنى أن أدرك يوماً لحظة المجازفة هذه . لكن بعد أن أطمئن إلى أن ذلك سيكون عن صلابة تقوى على تحمّل ذلك.. وأن فرص نفاذها ستكون جيدة..ليس معنى أن تجتاز " نسيقة " عربية لشاعر ما، أنه أصبح قادراً على الإجتياز بكل ما يلقي به، هذه مسألة لا أجد كثيراً من الناس يلقي لها بالاً ، كل نسيقة هي تجربة كاملة ،وفقط عندما تكون هناك تراكمات حقيقية قابلة للمحاكمة ضمن إطار المشروع..نستطيع القول أن تباشير نجاح مشروع النسيقة العربي ممكن، وليعذرني الكثيرون. لست أرى كثيراً من الأسماء المتقدمة بأنها محقة في إدعاء إكتمال أي مشروع لها، هذه كلها ما زالت في موقع التجريب مثلها مثل بقية الأجيال.. لا ميزة عندها إلا أنها كانت في أوائل المحاوليين...وفي المقابل فإن فشل المشروع سيكون في ذات الوقت فشلا لها بذات مقياس هذه الميزة.

في النهاية أشكرك جزيلاً لهذه الفرصة وأرجو أن يتحمل القاريء العزيز هذه الرؤية وهذه الإطالة.

نـوارة لـحـرش

http://www.alnoor.se/article.asp?id=12213

الرد على هذا المقال

نسخة من المقال للطباعة نسخة للطباعة
| حقوق المادة محفوظة ويمكن الاقتباس والنقل مع ذكر المصدر|